شيّعت وهران، أول أمس، جنازة ابنها سنوسي محمد إلى مثواه الأخير بمقبرة عين البيضاء، وكعادة المشيعين التذكير بمحاسن موتاهم، اكتشفت أن الراحل خريج الجامعة الجزائرية متحصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2007 مناصفة مع فريق “جياك” أو فريق الخبراء ما بين الحكومات حول المناخ التابع لهيئة الأمم المتحدة. هل يعقل أن يكون هناك جزائري افتك جائزة لطالما حلم بها الرؤساء وشخصيات كانت مستعدة لكل شيء للحصول عليها لتخليد أسمائهم في التاريخ؟ ومنهم من شكل لجانا لمساندة ترشيحه على قائمة الأكاديمية السويدية الشهيرة. سنوسي محمد لا نجده في الكتب والمناهج المدرسية و لا في البرامج التلفزيونية و لا على الشبكات الاجتماعية و لا في أجندة الضيوف الذين حظوا بشرف استقبال الرئيس بوتفليقة وحصلوا على هاتفه الشخصي. سنوسي المواطن العالمي المهموم برهانات المناخ في الكرة الأرضية ذكرنا بأن أبناء هذا الوطن ككل البشر يستطيعون تحقيق أحلام استعصت على الرؤساء بفضل العلم والجد والتضحية ودون وساطة من فلان أو فلتان. وبأننا لدينا نفس نسبة المادة الرمادية كبقية البشر، عكس ما اجتهد النظام على ترسيخه في عقلية الجزائري منذ عقود، بأنه فاشل ولا يحب العمل، مندفع وعدواني، غير واع وقاصر وإلى غير ذلك من العيوب التي بنى عليها استراتيجيته للحجر على الشعب وحرمانه من الحرية والديمقراطية بداعي أنهما خطر عليه وغير ناضج. ويحضرني هنا مثال عن الدعاية الرسمية لحكومة القذافي بتقديم صورة نمطية عن المواطن الليبي بأن بشرته سمراء وشعره مجعد، على شاكلة القذافي وقذاف الدم، ووصل به الحد إلى عدم السماح بظهور وزراء ذوي هندام جميل وحتى لاعبي الفريق الوطني الليبي لم يستثنهم الإجراء. وللحديث قياس. النظام الجزائري دأب منذ نصف قرن على تخويف الجزائري من نفسه من خلال التركيز على عيوبه منذ الاستقلال لإقناعه بأنه على شاكلة من يحكمونه، وبأن اختيار الأقل سوءا هو قضاء وقدر. كما اجتهد النظام في تغييب كل ما من شأنه تكذيب هذه الدعاية من خلال استبعاد كل شخصية بإمكانها تشكيل معلم إيجابي للجزائري لتفجير طاقاته وذكائه وبالتالي التخلص من النظام. لكن للأسف هذه الشخصيات - المعالم التي تذكر الجزائري بأنه ليس الأسوأ وبإمكانه أن يكون الأفضل، لا نكتشفها إلا عند مراسم دفنها وردم التراب على قبرها، على غرار سنوسي محمد، مليك بن جلول المخرج الجزائري السويدي الوحيد المتحصل على جائزة الأوسكار والذي توفي مؤخرا، والكثير من الكفاءات من مختلف مناحي الحياة. ومن الأحياء نذكر عالم الفيزياء والمخترع نور الدين مليكشي الذي قاد فريق بحث أمريكيا إلى كوكب المريخ، في وقت لا تزال السلطة قابعة على كرسي متحرك وتفكر في تحرير الإعلام وتحديد العهدات.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات