في غمرة الحراك الذي يسبق الاستحقاقات الرئاسية، أثلج مؤخرا مسؤول شركة “الضو” في البلاد، صدور عامّة الجزائريين، وبشّرهم بأن التيار الكهربائي لن ينقطع أثناء مشاهدة مقابلات محاربي الصحراء في مونديال بلاد السامبا، وأنهم سيتخلصون في هذه الصائفة من كابوس الانقطاعات التي نغّصت يومياتهم، وأخرجتهم إلى الشوارع عن بكرة أبيهم، مُحتجين، غاضبين، للعجلات حارقين، مُعزيا ذلك إلى خزينة الدولة التي تكرّمت بـ 50 مليار دج إضافية، لدعم إنتاج الكهرباء لصالح بيوت المواطنين.ومع أن علم الغيب مقصورٌ على علاّم الغيوب لا يُنازعه فيه أحد، إلا أني من هذا المقام، أتحدى الرئيس المدير العام لمجمع سونلغاز في اختصاصه، وأقول له جازما حدّ اليقين، بأن التيّار الكهربائي سينقطع، وشبح الظلمة لن يفارق المواطنين المغلوبين على أمرهم، وأنّه سيكون حانثا في وعده، لأن الأموال الضخمة التي تحدث عنها لن تكفي للقضاء على هذا الكابوس الملازم للجزائريين كل صيف، ما دامت عقليات التسيير بالية، وآليات التدبير واهية.وإذا أراد كبير شركة “الضو” أن يعرف سر تأكدي من كلامي، رغم أني لا أملك فراسة المؤمن التي تكشف عنه الحجاب، ولا أنا من المُنجّمين ممّن يسترقون السمع والعياذ بالله، فأقول له بأن أزمة البلاد لم تكن يوما من الأيام أزمة أموال بقدر ما هي أزمة رجال، ولا نقص ثروات، وإنما مُعضلة سياسات، والحجة الدامغة على ذلك هي أن الجزائر عمدت بفضل بحبوحتها المالية إلى إقراض صندوق النقد الدولي بخمسة ملايير دولار، ومع ذلك فشلت في تحسين الظروف المعيشية لأبنائها من الزواولة، والبطالين، والحرّاڤين، وأصحاب عقود ما قبل التشغيل، والمتقاعدين، والحرس البلدي، وغيرهم كثير ممّن أصبح الشارع وجهتهم، والضغط وسيلتهم.يا سيدي التيار الكهربائي سينقطع، وربّما أثناء مباريات الخُضر، لأن الجزائر حطّمت رقما قياسيا يؤهلها للدخول إلى موسوعة “غينيس” من خلال رصد 286 مليار دولار موّلت بها مشروع دعم النمو الاقتصادي للمخطط الخماسي الأخير، والحصيلة كانت مشاريع لا تتجانس مع هذا الرقم المهول، أبرزها مشروع الطريق السيّار الذي وصفته إحدى القنوات الفرنسية بشريط زفت طويل، ومحلات مهجورة هنا وهناك رغم أنها تحمل اسم محلاّت السيد الرئيس.أنفقنا 286 مليار دولار في خمس سنوات، ومع ذلك لم نستطع أن نملك ملعب كرة قدم واحدا، يسمح لنا بحفظ ماء الوجه، وتجنّب الكشفة التي لحقتنا أثناء المباراة التي لعبها فريقنا الوطني ضد الفريق البوسني، بسبب زخّات مطر غادرة. في حين أن كلفة “ستاد دو فرانس”، مثلا، لم تتجاوز 364 مليون أورو فقط.كل هذه الأموال ضُخّت، ومع ذلك لا يزال المرضى يموتون بسبب وبدون سبب في مستشفيات منكوبة، ومنظومة صحية عليلة. أما زمرة المسؤولين فيفضلون التنقل للعلاج في الخارج ولو كان الأمر يتعلق بعملية بسيطة لاستئصال الزائدة الدودية، وعندما يعودون يشددون على أن الصحة بخير، والمستشفيات تؤدي دورها على أكمل وجه.والله في بعض الأحيان يجول في خاطري بأن أموالنا حرام، فرغم كثرتها، إلا أن أثرها في أرض الواقع لا يسرُّ الناظرين، ولعلّها لعنة إلهية لبلد يكتفي وُلاّة أموره بضخ آبار النفط والغاز لبيعها واستغلال ريعها دون أي جهد، لأن حتى هذا الضخ، أصبح لا يتم إلا بمعية سواعد أجنبية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات