+ -

الدّين الإسلامي هو الدّين الّذي يمتاز بالتّسامح بين أفراده ومع أصحاب الدّيانات الأخرى، فهو دائمًا يدعو إلى العفو والمغفرة عن الآخرين وعدم الانتقام منهم، وهذا هو الّذي جعل النّاس تقبل عليه وتدخل فيه أفواجًا. لقد بنى الإسلام شريعة التّسامح في علاقاته على أساس متين فلم يضق ذرعًا بالأديان السّابقة، وشرع للمسلم أن يكون حسن المعاملة، رقيق الجانب، ليّن القول، فيحسن جوارهم، ويقبل ضيافتهم، ويصاهرهم حتّى تختلط الأسرة، وقد عاش أصحاب الدّيانات الأخرى في كنف المسلمين وبين ظهرانيهم حياة كريمة، لم يجبروا على ترك معتقداتهم أو يضطهدوا في دينهم أو يكرهوا على الدخول في الإسلام.وفي تاريخ الإسلام نماذج كثيرة لهذا التّسامح مع أصحاب الدّيانات الأخرى وحتّى مع الوثنيين، ولعلّ أوضح نموذج على ذلك، ما قام به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع مشركي قريش الّذين آذوه وآذوا أصحابه وعذّبوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حقّ، ومع ذلك لما تمكّن منهم، صلّى الله عليه وسلّم، يوم فتح مكة لم ينتقم منهم ولم يعاملهم بما عاملوه به، وإنّما عفا عنهم، وقال لهم تلك القولة: “ما تظنّون أنّي فاعل بكم”؟ فأجابوا بما يعرفونه عنه من العفو والسّماحة: أخ كريم وابن أخ كريم، فعفا عنهم صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، وقال: “اذهبوا فأنتم الطّلقاء”. وعفَا صلّى الله عليه وسلّم عن زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلاّم بن مشكم الّتي أهدته شاة مسمومة يوم خيبر وأرادت قتله عليه الصّلاة والسّلام، ولمّا اكتشف ذلك عفَا عنها. وكان هذا التّسامح هو ديدن الخلفاء والمسلمين مع الآخرين في كلّ زمان، ومن النّماذج الّتي تدلّ على ذلك في تاريخ الإسلام ما كتبه نصارى الشّام سنة 13هـ إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح، يقولون له: “يا معشر المسلمين أنتم أحبّ إلينا من الروم وإن كانوا من ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكفّ عن ديننا وأحسن ولاية علينا”.ومن ذلك أيضًا، ما فعله صلاح الدّين الأيوبي فحين تمكّن من استرداد بيت المقدس الّتي كان الصّليبيون قد انتزعوها من قبل بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحةٌ وحشيةً وقسوةً، فإنّه لم يسفك دم سكانها من النّصارى انتقامًا لسفك دم المسلمين، بل إنّه شملهم بمروءته، وأسبغ عليهم من جُودِه ورحمته.هذه هي سماحة الإسلام مع أصحاب الدّيانات الأخرى، حتّى مع الّذين ناصبوه العداء لم يشرع الإسلام للمسلمين الانتقام منهم بل دعاهم إلى الصّبر والصّفح حتّى يرغّب الآخرين في الدخول فيه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات