مشاهد التقتيل في غزة التي تعجز محاكاتها حتى أقوى ما توصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تنقل لنا بعضا مما يعانيه ويكابده سكان غزة أمام آلة القتل والتدمير التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي أوروبي خالص وصمت عربي مخز، تحركها أهداف ودوافع توسعية، تحت الشعار المحرف "من النهر إلى البحر"، تجعل من الدم الفلسطيني قربان تمكين يتلذذ الاحتلال بإزهاقه.
لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بالتملص من التزاماته التي ينص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، بعد حرب إبادة على قطاع غزة قتل فيها أكثر من 50 ألف فلسطيني أغلبهم أطفال ونساء على مدار 15 شهرا ولم يحقق فيها أي من أهدافه، بل راح يشن حرب إبادة ثانية في استنساخ لما قامت به فرنسا بالجزائر تجاوزت في دمويتها وهمجيتها ما فعله النازيون.
يروي أهل غزة بأن ما يتعرضون له من قصف وتدمير لم يشهدوه خلال العدوان الأخير، فالقوة التدميرية للصواريخ لا عهد لهم بها، لم تسلم منها لا دور العبادة ولا خيام اللاجئين ولا تجمعات الجوعى ولا المستشفيات، إذ تنقل كاميرات أهلنا في غزة مشاهد لا تصدقها عين ولا يتقبلها عقل، صواريخ تتساقط فوق رؤوس المدنيين من كل حدب وصوب لا يشعرون بها إلا وهي تنفجر بهم، تعدم البشر وتهدم ما بقي قائما من مساكن وبنى تحتية.
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول بأنه "يقوم بتجزئة القطاع وزيادة الضغط تدريجيًا لكي تعيد (حركة حماس) رهائننا"، ويحمل هذا التصريح أكثر من مدلول، وفي مقدمته أن الاحتلال لا ميثاق له لأنه انقلب على تعهداته، كما يكرس الفشل الذي لاحقه على مدار 15 شهرا، حيث لم يستطع أن يحقق ولا هدفا من الأهداف التي أعلن عنها في بداية حملة الإبادة في السابع أكتوبر 2023، فلا هو استرجع الأسرى ولا هو فكك قدرات حماس العسكرية ولا هو أنهى حكمها لقطاع غزة.
هذا الفشل الساحق الماحق لنتنياهو في غزة أمام حماس، وارتداداته على داخل دولة الاحتلال، حيث هو ملاحق من قبل القضاء بتهم فساد إلى جانب أهالي الأسرى الذين يطالبون برأسه، وجدها مبررات لاستئناف حربه بمباركة صديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتحويل الأنظار عن كل المشاكل التي تفجرت بسبب سياساتها، ومحاولة الضغط من أجل تحقيق ما لم يستطع تحقيقه في الجولة الأولى من الحرب، ولكن قبل كل هذا، تحقيق الهدف الوجودي بالنسبة للكيان الصهيوني، وهو مواصلة توسيع رقعة الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، وتحقيقا لشعار من النهر إلى البحر مستعملا هذه المرة كل ما يملك من قوة عسكرية ضد المدنيين في غزة ليلتهم المزيد من الأرواح، وبالتالي القضاء على ما أمكن من الفلسطينيين بكل الأساليب والطرق والتي لم تخطر حتى ببال النازيين.
وعليه، فإن إنهاء حكم حماس في غزة ما هو إلا وسيلة من أجل الغاية الكبرى، وهو إقامة الدولة الصهيونية، وهو ما تكشف عنه "العملية الكبرى" الحالية بغزة، والتي تهدف إلى إفراغ شمال ووسط وجنوب غزة والدفع بمن تبقى من الأحياء نحو منطقة "المواصي" قبل دفعهم للخروج إلى مكان اللجوء في بلد ثان، ولن تكون النهاية بالاستيلاء على غزة، لأن الهدف القادم سيكون مصر والأردن بعد الانتهاء من عملية احتلال سوريا وهي الخطوة التي شرع في تنفيذها منذ أشهر.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال