رياضة

"اعتراف" الرابطة الغريب

بيان هيئة الرئيس محمد أمين مسلوق بدا مبهما وغريبا ويميل إلى الشعبوية أكثر منه إلى مواجهة الوضع بحزم.

  • 7393
  • 3:52 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

أضافت رابطة كرة القدم المحترفة كثيرا من الغموض حيال الحلقة الجديدة من حلقات الشغب السائد في ملاعب كرة القدم وخارجها، والشكوك التي تحوم حول نتائج بعض المباريات.

 بيان هيئة الرئيس محمد أمين مسلوق، الصادر أمس الإثنين، بدا مبهما وغريبا ويميل إلى الشعبوية أكثر منه إلى مواجهة الوضع بحزم، من خلال تفعيل الهيئات القانونية وتطبيق القوانين التي تسيّر اللعبة، حتى ساد الاعتقاد بأن الرابطة نشرت عبارات على شكل ما سوّقته للرأي العام على أنه بيان بمنطق ردة فعل "المنعكَس الشَّرطي" للطبيب الروسي إيفان بافلوف، خلال تجربته لدراسة سلوكيات التعلّم، وحمل (البيان) ما يسمى بالعبارات الجاهزة التي تعقب كل تصرف يضرب مصداقية ونزاهة البطولة والروح الرياضية.

 ورغم أن الكرة في الجزائر اليوم لا تختلف عن الأمس من حيث الفوضى والشغب وشبهات التلاعب بنتائج المباريات من المسيرين والحكام والمنتفعين منها، إلا أن رابطة كرة القدم التي تعاملت، على الأقل هذا الموسم، بمنطق تطبيق القانون، اختارت انتهاج سياسة أخرى في التعاطي مع الفضائح القوية المتتالية التي هزت الرأي العام، وكأن ما يحدث هو سابقة في بطولة جعلت الرابطة، من خلال بيانها، تترك الانطباع، بأن الأمر يتعلق بآفات دخيلة عليها. وقد دعمت الرابطة، من خلال بيانها، المثل القائل "الجواب يبان من عنوانه"، حين أعربت، في البداية، عن "بالغ قلقها وأسفها لما شهدته بعض جولات الجولة 23 من بطولة المحترف الأول"، رغم أن الأمر يتعلق أساسا بقلق مزمن اعتادت الرابطة على تفعيل سلطة القانون عن طريق الهيئات القانونية من أجل التصدي له وردعه حتى لا تضطر في كل جولة للأسف والقلق الذي لا يحلّ المشكل.

 أما الطامة الكبرى، فقد أتت بها من خلال "حث الجميع على التحلي بروح المسؤولية والنزاهة والالتزام بالقانون"، وأيضا دعوة "جميع الفاعلين في مجال كرة القدم إلى التحلي بالروح الرياضية العالية والالتزام بمبادئ اللعب النظيف"، وهو اعتراف ضمني على أن الرابطة تدرك بأن اللعب النظيف والنزاهة غائبان عن بطولتها، ورغم ذلك اكتفت أمام هول الفضيحة بعبارات الأسف والقلق وبمجرد "دعوة" و"حث" الفاعلين على "الاستقامة"، وكأن الأمر يتعلق بـ"أمنية" لا يقابلها، بالضرورة، استجابة.

 وحين تُصدر أية هيئة بيانا على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية التي أفرزتها مباريات كرة القدم، فإن الدقة مطلوبة لإضفاء المصداقية على أية إجراءات محتملة، كون الرابطة دعت "جميع الفاعلين في مجال كرة القدم، من مسؤولي الأندية واللاعبين والمشجعين و ... كافة الأطراف الأخرى.."، وتلك "الأطراف الأخرى" لا محل لها من الإعراب، وقد تعني حتى مسؤولي الرابطة والاتحادية، بل إن مجرد ذكر "الأطراف الأخرى" بهذا الشكل المبهم يقدم مؤشرات قوية على أن الرابطة نفسها لا تدري لمن توجه رسالتها بالتحديد.

 أما عبارة "مع اقتراب نهاية الموسم الكروي، تحث الرابطة الجميع على التحلي بروح المسؤولية والنزاهة والالتزام بالقانون"، تحمل في طياتها أن مطلب الرابطة يقتصر فقط على التحلي والالتزام بذلك يمكن أن يسقط على "الجميع"، في بداية البطولة أو في منتصفها. ولم يكن ذلك "آخر الصدمات"، بل إن الرابطة، وهي تحرص على "شكل" البيان أكثر من "المضمون"، انساقت وراء تناقضات الخطاب الشعبوي، حتى عرّت نفسها من المصداقية، حيث جاء في ختام البيان "تعلن (الرابطة) أن مخالفة هذه القوانين من أي طرف كان، ستُعرّضه لأقصى العقوبات، ولن تتوانى الرابطة في تطبيق القانون بحزم حفاظا على نزاهة البطولة والروح الرياضية"، وهي عبارة كافية بأن تقيم إجماعا على معنى واحدا مفاده أن الرابطة، وباعتراف منها، تؤكد بأنها لم تطبق أقصى العقوبات على مَن خالف القوانين من قبل أو على الأقل أن العقوبات التي تكون قد فرضتها لم تكن مشددة، بما يختلف، منطقيا، مع القوانين المعمول بها والمصادق عليها من طرف الجمعية العامة.

 ونسيت الرابطة، على ما يبدو، وهي تحرص على تلميع صورتها بذلك البيان محل الجدل الصادر على موقعها في 20 أفريل 2025 على حساب الإجراءات العملية الحقيقية، أنها هيئة يُفترض فيها تطبيق القانون وتسليط عقوبات وليس الاكتفاء بتهديدات، كون ما ذكرته على أنه "لن تتوانى في تطبيق القانون بحزم حفاظا على نزاهة البطولة"، فيه مساس لسمعتها وإعلان صريح على أنها لم تعقد العزم بعد على تطبيق القانون بحزم أو أنها طبقته في غياب الحزم اللازم، بما يجعلها، في الحالتين، لم تحافظ على نزاهة البطولة والروح الرياضية.

 بقي على اتحادية كرة القدم، التي جعلت بطولتها للاحتراف تسيّرها الرابطة بتفويض أن تزيل اللّبس والتناقض على مثل هكذا بيان، على الأقل حين يجتمع اليوم الوزير ورئيس "الفاف"، وليد صادي، برؤساء الأندية، بعد اجتماعه أمس مع الحكام، كون الوضع المتعفن المفروض عنوة على المنظومة الكروية الجزائرية من المنتسبين إليها والفاعلين فيها ومشجعيها، يستدعي اتخاذ قرارات قوية وحازمة تحفظ لها مصداقيتها.

 ومن أبرز المقترحات المقرر اعتمادها للحد من ظاهرة العنف في الملاعب وخارجها التي استفحلت بشكل مخيف، منع تنقل المشجعين خارج القواعد، طالما أن "الويكلو" والحملات التحسيسية لم تغيّر من حال الكرة الجزائرية التي يتم تشويه صورتها كل يوم مع سبق الإصرار والترصد.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer