اكتشف عشاق السينما، سهرة أول أمس، بقاعة الموڤار، عبر الوثائقي المتوج مؤخرا بجوائز عديدة منها الجائزة الكبرى لـ”مهرجان مرسيليا الدولي للسينما”، حياة أخرى لعمال المذابح في الجزائر، حيث جسد فيلم “في راسي دوار” لمخرجه الشاب حسان فرحاني، الوجه الآخر لحياة العمال ومرارة العيش وتفاصيل يومياتهم ومحاولاتهم رفع التحدي، وإدخال الحيوية والأمل داخل مكان لا تشم فيه إلا رائحة اللحم الأحمر والدماء. عاد مخرج الفيلم الوثائقي “في راسي دوار”، حسان فرحاني، إلى لحظات دقيقة ومثيرة، تحمل الوجع تارة والفرح تارة أخرى، مجسدا الشخصية المتناقضة لفئة من الشباب الجزائري.على أنغام الراحل حسني والأغنية الشعبية، مزج المخرج بين التشاؤم والتفاؤل وجمع بين الأمل والضياع، بين الحب والمعاناة. وبتقديم محكم ومفصل ليوميات الشباب العامل بالمذبح، قدم المخرج صورة معبرة عن حياة بعض الجزائريين بمختلف جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية. وأوضح المخرج حسان فرحاني عقب عرض فيلمه “في راسي دوار” بقاعة الموڤار في العاصمة، ضمن فعاليات الدورة السادسة من مهرجان الفيلم الملتزم، أن فكرة إنجاز الفيلم تعود إلى أربع سنوات مضت، وبدافع ذهابه لمذبح الجزائر العاصمة منذ الصغر، مثله مثل أغلب مواطني العاصمة، وتأثره بمختلف المشاهد التي يصادفها مرارا، وبالجو المتناقض لحياة عمال المذبح، قرّر إنجاز عمل وثائقي ينقل معاناة شريحة من المجتمع تقضي كل أوقاتها في حمل اللحم الأحمر وشم روائح ناتجة عن دماء الذبح.واستغرق إنتاج الفيلم، حسب فرحاني، شهرين كاملين، تم خلالهما تصوير ستين ساعة، وتمكن في الأخير من إنجاز فيلم وثائقي من 100 دقيقة، تصور المحطات الحاسمة والمعبرة والمثيرة في آن واحد. نقلت كاميرا فرحاني وضعية الطبقة الشابة ومللها من الحياة القاسية داخل المذابح، وجسد الفيلم تساؤلاتهم وحيرتهم من المستقبل المجهول. وفي رده على الرسائل التي حملها الوثائقي عبر محطاته المختلفة، نفى فرحاني وجود أي رسالة، قائلا إنه عمل في فيلمه على تجسيد واقع شريحة من المجتمع تأثر بطريقة عيشها، ورغم ذلك لمس الجمهور الذي استطلعت “الخبر” رأيه، رسائل مختلفة، خاصة عند مشهد تضمن حوارا بين شابين عن حتمية وقوع الشباب في فخ المخدرات أو السرقة أو الهجرة أو الانتحار، وانعدام سبل أخرى لحياة كريمة، بالإضافة إلى الحديث عن “الحرڤة” وغيرها من المواقف التي تبين واقع الشباب الجزائري الصعب. ينقل الفيلم أحلام الشباب بحياة أفضل تجسدت في دور كرة القدم في حياة العمال الذين ورغم كل المآسي، تعتبر سببا لنسيان مآسيهم ولو للحظات في خلق حوارات ونقاشات تخرجهم من الروتين اليومي القاسي، والانغماس في لعبة الدومينو لملء الفراغ.نقل المخرج الصراع بين التفاؤل والأمل والخيبة والضياع عبر شخصيتي الشابين يوسف المتأثر من صعوبة المعيشة داخل المذبح، وشخصية القبايلي المتفائل الذي يتحدث دائما عن الرومانسية وجمال الحياة والحب، عبر بساطة الطرح والعيش عبر مغامرات الشباب الجزائري الذي ينقلب مزاجه في ثوان، ما يثير جوا من الضحك وبصيص الأمل في حياة الشابين، كما كانت لشخصية الكهل “عمو” كما يناديه الشابان أحسن مثال لرجل قضى ثلاثين سنة في خدمة المذابح يتقن لغة الألغاز، وينقل ما يختلج بخاطره في جملة يكررها كثيرا “الكذب ما نكذبوش، والصح مانطيحوش فيه”، كما قدم الفيلم في شخصية الشيخ “علي” أحسن تصور لمستقبل الشباب العامل في المذبح، ذلك أن الشيخ علي بدأ حياته في المذبح منذ سنة 1945، وانتهى به المطاف بعد عجزه عن أداء ذلك العمل الصعب ينظف المراحيض.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات