نقاش حاد يجري بين المعارضة والحكومة حول المادة 71 من قانون المالية، وهي المادة التي تسمح لوزير المالية بنقل اعتمادات مالية من قطاع إلى قطاع آخر، خلال السنة المالية دون الرجوع إلى البرلمان. مثل هذه الصلاحيات لا تعطى للحكومة إلا في حالات الطوارئ وفي حالات تعليق العمل بالدستور.. وتعليق نشاط المؤسسات الدستورية لأزمة طارئة خطيرة! ترى، لماذا تلغي الحكومة العمل بالدستور وتعلّق عمل المؤسسات بهذه الصورة البائسة، عبر هذا التصرف الذي تقترحه في قانون المالية؟! ولماذا لا يقوم نواب الحكم، قبل نواب المعارضة، بالدفاع عن حقهم في مراقبة الحكومة، ويقبلون بإلغاء صلاحياتهم الدستورية لمجرد اتفاق تم بين وزير المالية والوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم على إجراءات حكم خارج الدستور والقانون؟!لماذا أحزاب المعارضة لا تدعو نوابها إلى الاستقالة.. وتترك الحكومة تتخذ هذه الإجراءات خارج الشرعية وخارج القانون؟! هل الخوف من الأزمة هو الذي يدعو هؤلاء إلى عدم التصرف؟! وماذا بقي ما يخاف عليه من مؤسسات دستورية بعد هذا الذي حصل ويحصل في برلمان المهازل؟!في 1967 انعقد مجلس الثورة والحكومة وأقر ميزانية الدولة.. ولكن وزير المالية آنذاك، المرحوم قائد أحمد، لم يصرف المبالغ المالية المقررة في قانون المالية للوزارات، وربط الصرف بقرار يوقعه هو ويوجهه إلى خزينة الدولة، وبناء عليه يتم الصرف. بهذه الصورة أصبح الوزير قائد أحمد “يجيّف” الوزير الذي يريد بعدم إصدار وثيقة الصرف هذه.. واشتكى الدكتور طالب الإبراهيمي، وزير التربية آنذاك، أمره إلى المرحوم علي منجلي، عضو مجلس الثورة، كون وزير المالية، قائد أحمد، لم يأمر بصرف المبالغ الخاصة بوزارة التربية لأسباب تخص العلاقة بين قائد أحمد، وزير المالية، وطالب الإبراهيمي، وزير التربية آنذاك.. تماما مثلما يفعل وزير المالية الحالي بالوزراء! وعندما اجتمع مجلس الثورة من جديد، طرح المرحوم علي منجلي المشكلة على مجلس الثورة، وطلب من قائد أحمد توضيحات حول تعطيل عمل الميزانية وربطها بقرار من وزير المالية وحده، والحال أن الميزانية أقرت في الحكومة وصادق عليها مجلس الثورة.. فلماذا تربط العملية بقرار من وزير المالية؟! واحتدم النقاش بين قائد أحمد ومنجلي إلى حد تهديد بعضهما البعض بالكراسي.. وكان يرأس الاجتماع بومدين ولم يتدخل في النقاش الحاد هذا.. فقال له منجلي: أنت رئيس مجلس الثورة، وضعناك على رأسنا لتحل مثل هذه الخلافات، فلماذا تسكت.. فنطق مكان بومدين بوتفليقة فقال لمنجلي: لست أنت من عيّن بومدين في هذا المكان؟! فاغتاض منجلي واشتبك كلاميا مع بوتفليقة! كما احتدم النقاش وشارك فيه بعض أعضاء مجلس الثورة ومنهم الزبيري ويحياوي، وخرج النقاش عن إطاره.. ورفعت الجلسة، ومنذ ذلك الحين لم يعقد مجلس الثورة حتى مات بومدين!هكذا كانت تعمل المؤسسات حتى ولو كانت منقوصة الشرعية، وليس الحال كمؤسسات اليوم، التي لا يفرق فيها النواب والوزراء والسياسيون بين دكاكين الحلاقة والمؤسسات الدستورية للدولة! لو كان الحزب يتمتع بالشرعية أو البرلمان يتمتع بجزء من الشرعية.. أو حتى وزير المالية، الذي يقترح لنفسه هذه الإجراءات، لو كان هؤلاء يتمتعون بالشرعية لقلنا ماعليهش.. لكن الحاصل أن من يعيّن بالرداءة يسيّر البلاد بما هو أردأ.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات