عندما نقول إننا في حاجة إلى الاقتداء بتونس في بناء حياة سياسية سليمة فذاك ليس عيبا.. فالتجربة التونسية بالفعل تستحق التأثر بها واستنساخها إذا لزم الأمر ذلك.كم كان الأمر رائعا في تونس والمحكمة العليا ترفض للرئيس المرزوقي طعونه في نتائج الدور الأول للانتخابات وهو رئيس في قصر قرطاج؟! ماذا لو أن المجلس الدستوري الجزائري كان مستقلا ورفض الملف الطبي الذي قدمه الرئيس بوتفليقة في أفريل الماضي وترشح به للرئاسة؟! هل كنا سنصل إلى هذا الذي نعيشه الآن من عمليات ضحك الأمم كلها على بلدنا؟!ماذا لو كانت عدالتنا مستقلة.. وقام مواطن من الجزائر برفع دعوى قضائية على المجلس الدستوري لأنه اعتدى على الدستور والقانون؟ وماذا لو حكمت العدالة لصالح هذا المواطن؟! قد يقول القارئ إنني أحلم.. ليكن ذلك، لكن لا بد أن تصل بلادنا إلى مثل هذه الحالات حتى لو تم ذلك في عهد أبناء أبنائنا؟!صورة أخرى في تونس لا تقل روعة عن السابق ذكرها.. وهي أن الرئيس المرزوقي اشتكى إلى رجال الإعلام تخوفه من تزوير الانتخابات ضده! أي والله !رئيس في الحكم يشتكي من أن تزور الانتخابات ضده! معنى هذا أن السلطة كآلة للتزوير لم تعد قادرة على ممارسة التزوير للحاكم، وهذه في حد ذاتها تطورات لافتة للانتباه!عندما يشتكي الحاكم من تزوير الانتخابات ضده بالمال الفاسد أو بأجهزة حكمه التي حكم بها البلاد مدة ثلاث سنوات كاملة، فذاك يعني أن تونس لم يعد فيها إمكانية ممارسة الحاكم للاستبداد والفساد، حتى لو أن قول المرزوقي هذا الكلام هو إدانة له كحاكم، إذ كيف يحكم البلاد ثلاث سنوات وينتهي إلى نظام حكم به البلاد هذه المدة ويُزور ضده؟!الجميل الآخر في تونس هو أن المرشح الذي يتهمه الرئيس المرزوقي بالتزوير ضده كان على رأس تونس في مرحلة انتقالية لمدة سنة، نظم فيها الانتخابات وسلم السلطة للمرزوقي الفائز بجزء من هذه الانتخابات! ولم يزور الانتخابات ضده! فإذا كان السبسي من الفلول فقد عاد للشعب التونسي وطلب منه العودة للحكم على حساب من هو من الثورة وليس من الفلول! وإذا كان الشعب التونسي يحب الفلول بعد أن كرههم في الماضي فهذا شأنه وهذه هي الديمقراطية !حتى في سنة 1991، عندما هُزمت الفلول أمام الفيس في الانتخابات الحرة التي جرت في الجزائر لأول مرة منذ 1962، قال بعض الفلوليين إن الفيس قام بتزوير هذه الانتخابات؟!الخطأ القاتل الذي قام به العسكر في مصر هو أنه لم يترك الإسلاميين يمارسون حقهم في المواطنة وفي الانتخابات ويهزمهم بالفلول الانتخابية، كما حدث ويحدث في تونس.. بل قام عسكر مصر ببله سياسي يشبه بله الجزائريين قبل 22 سنة.. قام بإعطاء الشرعية للإسلاميين بإبعادهم من العملية الانتخابية كما حدث في الجزائر.عظمة جبهة التحرير في 1962 أنها قبلت أن تجري استفتاء مع فرنسا حول الاستقلال بلا ونعم، وتضع مصير الثورة المنتصرة في ورقة استفتاء، وفي ظروف فيها نصف مليون معمّر ونصف مليون حركي ونصف مليون جندي فرنسي. لكن الثورة الشرعية لا تخاف من إرادة الشعب! فهل نتعظ اليوم بماضينا وجيراننا؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات