+ -

 دعني يا أستاذ سعد أقول لك أنك محظوظ لأنك عشت تقريبا عمر الجزائر المستقلة من الاستقلال إلى يومنا هذا أطال الله عمرك وعمرها، وإنك من المخضرمين المحظوظين الذين على الأقل عايشوا مختلف المراحل التي مرت بها الجزائر، خاصة سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات، عشريات الأمن والأمان والرجولة السياسية والوطنية الخالصة والنمو الاقتصادي والصناعي.. رغم كل ما يعاب على تلك المراحل، كل هذا يؤهلك لأن تكون علبة سوداء ثمينة.. إن جيلنا يحسدكم على الأيام الملاح التي عشتموها آنذاك في الجزائر... نعم الأيام التي كان فيها الدينار الجزائري أغلى من الفرنك الفرنسي، الأيام التي على الأقل كنا نصنع فيها جزءا مما نأكل.. ونصنع دراجة ماونة وجرار سيرتا وشاحنة سوناكوم وثلاجة تيزي وزو وتلفاز بلعباس.. وليس سيارة سامبول، الأيام التي كانت تغمرنا الوطنية دائما وليس أثناء مقابلات الفريق الوطني فقط كما هي الآن، الأيام التي كنا فعلا نشعر فيها بالعزة والكرامة في داخلنا ومن حولنا وليس نعلقها كما هو الحال الآن كشعار للحملات الانتخابية، الأيام التي كان فيها المواطن النزيه والصالح يتمتع بجميع حقوقه وكرامته، وليس كما هو الآن أين أصبح المسبوقون قضائيا يتمتعون بكامل الحقوق، بل بكامل الامتيازات في السكن والقروض والمناصب... أما المواطن الصالح غير المسبوق أصبح مهمشا يهز العين ويحط الأخرى، الأيام التي كان جهاز المخابرات الجهاز المناعي وصمام الأمان للدولة والشعب، أما الآن فقد أصابنا مرض فقدان المناعة المكتسبة، وتم توكيل مهمة الاستشراف والاستعلام إلى فرقة الزرناجية تحت قيادة “الدرابكي”، الأيام التي كانت فيها كلمة الشرف و«النيف” صفة تميز الرجل الجزائري عن غيره، ليس كما عليه الآن، إذ وصل الأمر بأحد أعمدة القانون الدستوري في الجزائر الذي درس أجيالا وأجيالا أن يصرح آنذاك ويقول يوم وافق النواب على فتح العهدات بالبرلمان، أن هذا الحدث خطوة نحو تكريس الديمقراطية... أين الشرف والأمانة العلمية... الخ الأيام التي على الأقل كانت فيها الشرعية الثورية تطغى على النظام، أما الآن فقد تم اختزال كل الشرعيات في الشرعية الجهوية، واختزال دولة بحجم الجزائر وجعلها حضيرة للمعتوهين السياسيين وخريجي المخابر السياسية المولودين بالطرق القيصرية... آه يا أستاذ سعد، بلغ عنا أنا وأبناء جيلي بأننا منذ أن جئنا إلى الدنيا وجدنا أسعار البترول قد انهارت وفي طفولتنا عايشنا أحداث أكتوبر وفي مراهقتنا عايشنا الإرهاب وفي عز شبابنا عايشنا الفساد والاستبداد...الخ يا أستاذ سعد لا تستسلم فجيلي يساندك رغم أنك لست من جيلي.محمد محمد - الجزائر حسب تعبيرك وتعبير العديد من القراء أنا مخضرم، قد يكون هذا صحيحا، لكن أنا أعتبر نفسي مخضرما بالمقلوب.. فقد عشت في طفولتي بعث الجزائر بالثورة المباركة، وعشت شبابي في عهد الحكم الراشد... وها أنذا أعيش معكم خريف العمر في ظل الجاهلية السياسية ! بقيادة مسيلمة وأبو لهب وأبو جهل ومن لف لفهم.نحن الآن نعيش حكم بني أمية ونبحث عن عمر بن عبد العزيز وننتظر ظهور أبو العباس والقائد الفارسي أبو مسلم الخرساني.ما ذكرته يا محمد عن الإنتاج الوطني الذي كان واختفى يدمي القلب..فقد أصبحنا نستورد حتى “أعواد الكوردو” من الصين !  لتنقية أسناننا من بقايا اللحوم التي نستوردها من الهند. !ابك يا وطني الحبيب بدل الدمع دما !

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات