جنرال متقاعد ومجاهد جلست معه على كأس شاي، فقادني بحديثه عبر حلم جميل فقال لي “لو كانت حكومات دول شمال إفريقيا من شرم الشيخ إلى طنجة ومن الجزائر إلى غينيا كوناكري تعرف مصلحة شعوبها لبادرت إلى عقد لقاء بينها على مستوى القمة وأقرت معاهدة سلام وتعاون بين هذه الدول، ووجهت الأموال الطائلة، التي تصرفها على الجيوش والتسليح لمواجهة بعضها البعض أو مواجهة الحالات اللاأمنية التي تبرز هنا وهناك، إلى تنمية المنطقة وصرفت أموال السلاح والجيوش إلى محاربة المرض وسوء التعليم والبطالة؛ لو حدث ذلك لكان أفضل لحكـام هذه المنطقة وشعوبها من هذا الذي يحدث في إضاعة المال والجهد في سياق التسلح بين دول المنطقة ومحاولات كل دولة صيانة أمنها لوحدها على حساب أمن جيرانها”.تأملت ما قاله لي هذا الجنرال المتقاعد، وهو المجاهد قبل أن يكون جنرالا. وتذكرت ما قاله لي عقيد آخر من الـ”دي آر آس” و”المالغ” خلف العقيد قاصدي مرباح على رأس هذه المؤسسة الحيوية.. قال لي قبل أيام: “فكرة بناء عقيدة الدفاع الوطني عندنا على أساس الاحترافية فيها كلام بخصوص جديتها في صيانة أمن البلاد من الاعتداء الخارجي.. ذلك أن بناء هذه القوة العسكرية المهنية يتطلب بناء قوة الردع، والردع يبنى على توفر ثلاثة شروط هي:1- منظومة صواريخ بعيدة المدى بصناعة عسكرية ذاتية، وهذا غير ممكن إنجازه، لأن صناعة الصواريخ بعيدة المدى محرّمة دوليا.2- بناء منظومة أسلحة كيمياوية توفر الردع المطلوب، وهذه أيضا محرّم على الدول مثل الجزائر.. ونحن نرى ما حدث في سويسرا بسبب هذه الأسلحة.3- بناء قوة نووية، وهذه من سابع المستحيلات، والمثل الإيراني أمامنا الآن.إذن، بناء الاحترافية بقوة ردعية تضمن توازن الرعب مع الكبار غير وارد، وبالتالي فإن الاحترافية العسكرية التي تبنى على سلاح طيران ودبابات ومشاة وأسلحة كلاسيكية لا يوفر الفعالية الردعية المطلوبة، ومهما بلغت قوة الاحترافية في هذا المجال لن تتجاوز الدور البوليسي للجيش في حفظ الأمن والسلم داخليا ومع الجيران الذين يماثلوننا في نوعية الردع العسكري، ويبقى الخطر الحقيقي على أمن البلاد من الأعداء التقليديين قائما، لامتلاكهم لوحدهم قوة الردع المحرّمة علينا وعلى جيراننا أيضا.كان علينا نحن أن نطوّر فكرة توازن الرعب بين الضعيف والقوي عبر مدرسة حرب العصابات التي كنا نحن فيها مع الفيتنام القوة العالمية، حيث هزم الضعيف الجزائري قوة الردع الفرنسية رابع قوة في العالم آنذاك، وهزم الضعيف الفيتنام قوة الردع الأمريكية في السبعينيات.. كان علينا أن نطور احترافية رعب الضعيف للقوي بحرب العصابات، ذلك هو الشكل الدفاعي الملائم لأمننا وأمن بلادنا.. ونحن نتذكر كيف أن احترافية الجيش العراقي لم تصمد أمام أمريكا حتى لأيام، ورأينا كيف كانت إسرائيل تعبث بالجيوش العربية المحترفة في أيام فقط، وكيف أخرجت حرب العصابات في حزب اللّه إسرائيل من جنوب لبنان، وأخرجت المقاومة أمريكا من العراق، مثلما فعلت الطالبان في بلاد الأفغان.عندما تأملت هذا الكلام من الجنرال المتقاعد والعقيد القاعد قلت: لماذا لا تبادر البلاد بوضع مؤسسات مدنية عسكرية فيها مثل هؤلاء للتفكير في المسائل الحيوية للدفاع والسياسة الخارجية.. أليس هذا إهدارا لثروة وطنية؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات