الطريقة التي يعالج بها النظام البائس أزمة الشرطة لا تختلف عن الطريقة التي يعالج بها هذا النظام أزمته السياسية مع المعارضة.أولا: النظام البائس تفاجأ بانفجار قنبلة الشرطة، حيث لم يكن يتوقع ذلك، فالشرطة هي الأداة التي كان النظام يعتمدها لقمع المعارضة السياسية وغير السياسية، ولم يكن النظام يتصور أن المعارضة يمكن أن تنطلق من هذا الجهاز الحساس.ثانيا: بيّنت أحداث الشرطة أن الرئيس بوتفليقة لا يتحكم في أي شيء في البلاد، وأن رجاله في الشرطة والداخلية والحكومة، وحتى الرئاسة، الذين انتقاهم بالموالاة والجهوية والفساد لا يتحكمون في أي شيء، ولا يعرفون حقيقة أوضاع القطاعات التي يسيّرونها. كان واضحا منذ البداية أن حادثة الشرطة في غرداية إنذار كبير للنظام ، ولكن محدودية الفهم لما يحدث على مستوى المديرية العامة للأمن والداخلية ورئاسة الحكومة هو الذي جعل هذه الجهات تتصرف مع المتظاهرين في غرداية كما تصرفت جماعة بن علي مع مظاهرات سيدي بوزيد، لذلك وصل الحريق في اليوم الثاني إلى قصر الحكومة.. وعوض أن تتخذ الإجراءات الفورية تصرفت رئاسة الحكومة مع الموضوع كما لو كان الأمر لا يعنيها.. فجاء التصعيد نحو الرئاسة، وعوض أن تتصرف الرئاسة بما يليق بالأمر تصرفت معه بإجراءات بائسة.ثالثا: أول مطلب للمتظاهرين هو رحيل المدير العام للأمن؛ والرئاسة والحكومة والداخلية التي ترى أن الجهاز الحساس يتظاهر في الشارع يطالب برحيل المدير العام لم يعد لديها منطقيا هامش المناورة أو التأجيل في الموضوع ! ولو كان الرئيس في كامل قواه لعالج الموضوع بإجراءات جدية وعميقة تمس المديرية العامة والداخلية ورئاسة الحكومة.. فحتى لو كان هؤلاء تحركهم أياد سياسية نافذة في النظام فالأمر يدل على أن المعارضة للنظام من داخل النظام أصبحت قوية، وأن الرجال الذين يعتمد عليهم الرئيس في النظام لا يعرفون ما يحدث في البلاد، وبالتالي سرعة التغيير هي الحل لهم، خدمة للرئيس والنظام والبلد. ولا ينتظر الرئيس حتى يحدث له ما حدث لبن علي ومبارك.رابعا: حتى لو كان تحرك الشرطة له علاقة بما “تهدّد” به سعداني باسم الرئيس من تغييرات ستشمل خصومه في السلطة يحضّر لها الرئيس في أول نوفمبر، فإن رجال الحكم الرئاسي الذين يحدث لهم هذا ولا يعلمون به يستحقون الرحيل الفوري. لأن من لا يستطيع تحسس ما يجري في قطاعه الحساس كيف له أن يتحسس ما يجري في البلاد وفي المحيط السياسي الداخلي والخارجي، حتى سلال تعامل مع الموضوع على طريقة “لست أنا إنه هو”! فقال إنه استقبل المتظاهرين بتعليمة من الرئيس، وكأن الأمر لا يعنيه هو ومن معه في الحكومة؟! قد يكون هذا خطأ غير مقصود، وقد يكون تمهيدا لتطور الأحداث نحو المطالبة برحيل الرئيس عوض رحيل مدير الأمن أو وزير الداخلية أو حتى الوزير الأول.خامسا: منذ سنوات، نحن نقول إن استخدام جهاز الأمن لحل المسائل السياسية بـ«القزول”، وحماية الرداءة والفساد في تسيير البلاد بهراوات الشرطة هي سياسة خطيرة على أمن وتسيير البلد. وأن المسائل السياسية ينبغي أن تعالج سياسيا ولا تعالج أمنيا.سادسا: بعد هذا الذي حدث، على الرئيس أن يفكر فعلا في رحيله هو وليس رحيل مدير الأمن ووزير الداخلية والوزير الأول.. لعجز هؤلاء ومعهم الرئيس عن معالجة قضية غرداية منذ سنوات.. فالأمر لا يتعلق بشغور في رئاسة الجمهورية بسبب المرض بل يتعلق بوجود فراغ رهيب في السلطة على جميع مستوياتها.. ويخطئ من يعتقد أن قضية الشرطة يمكن أن تعالج بزيادة الأجور وفتح تحقيقات أمنية حول من أساءوا لأفراد الشرطة.. الأمر يتعلق بإبداع في التغيير.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات