السلطة في الجزائر لم تهتم كما يجب بقطاع الصحة والتعليم، وكانت النتيجة أن الجزائر لم تنجز خلال ربع القرن الأخير أي مؤسسة صحية بمستوى مؤسسة عين نعجة العسكري، والسبب لأن قيادة البلاد راهنت على العلاج المجاني على حساب الدولة لإطارات الدولة في الخارج وفي فرنسا تحديدا، وترك باقي الشعب لمصيره مع مستشفيات هي أقرب إلى “المسالخ” منها إلى المستشفيات! ولكن السلطة وإطارات الدولة وقعوا في شر أعمالهم... فعامل الزمن أصبح أساسيا في العلاج ضد الأمراض الحديثة في الطب الحديث. والمعركة ضد أمراض القلب مثلا أصبحت تحسب بالثواني وليس بالساعات أو الدقائق. ولهذا وقعت كوارث صحية للعديد من المسؤولين قبل نقلهم إلى فرنسا للعلاج المجاني هناك:أولا: الرئيس بوتفليقة كان ضحية عامل الوقت في حكاية الجلطة الدماغية.. فالرئيس عندما وقعت له الجلطة تلكأ طبيبه الخاص في حسم الأمر ولم ينقل إلى المستشفى في الوقت اللازم.. السبب لأن وظيفة هذا الطبيب لم تسلم له على أساس الكفاءة، بل سلمت له على أساس الثقة. وعندما نقل إلى مستشفى “كلارفال” ببن عكنون لم يتخذ الطبيب المعالج القرار المناسب، لأنه ربما عين في الوظيفة بـ”المعريفة” أو الثقة، وليس بالكفاءة، ولهذا خاف من حكاية إخضاع الرئيس لما يمكن أن ينقذه لو تحمل الطبيب مسؤولياته وحقنه بالسائل الدوائي الذي يذيب التجلط.لكن ذلك لم يحدث ونقل الرئيس مرة أخرى إلى عين نعجة، وقلة الكفاءة في اتخاذ القرار الطبي هي التي جعلت الأطباء يفضلون نقله إلى فرنسا إبعادا للمسؤولية الطبية عنهم.. ولكن الرئيس وصل إلى فرنسا (فال دوغراس) بعد أن مر على جلطته أكثر من 5 ساعات والأعراف الصحية للطب الحديث تجبر الطبيب على حقن صاحب الجلطة في مدة أقصاها 3 ساعات (والجلطة نفسها حدثت لآيت أحمد وعولجت في كلارفال لأن الطبيب تحمّل المسؤولية). هكذا راح الرئيس ضحية لسوء كفاءة وسوء حال القطاع الصحي ولم ينفعه العلاج المجاني في فرنسا.. فلو أنشأ الرئيس في عهده مستشفى بمواصفات مستشفيات العلاج المجاني لإطارات الدولة لما حدث للرئيس ما حدث.ما أريد قوله هو أن سوء التسيير للقطاع الصحي وسوء التسيير للقطاعات الأخرى أصبح يمس بالأمن القومي للبلاد. فبسبب أخطاء طبية أصبح يحكمنا رئيس على كرسي متحرك وغير قادر على الكلام (الصعلوك في فرنسا يتكفل به صحيا أفضل من رئيس دولة في الجزائر). الحكاية لم تحدث مع الرئيس فقط، بل حدثت مع المرحوم بيطاط رابح الذي توفي نتيجة الإهمال في التكفل به في الجزائر ونقل إلى فرنسا بعد فوات الأوان.والشيء نفسه حدث للمرحوم علي كافي، حيث نقل إلى مستشفى بني مسوس ثم عين نعجة ثم سويسرا التي وصلها بعد فوات الأوان.. والعماري محمد توفي في بسكرة، لأن الجنوب بكامله لا يوجد فيه أطباء في تخصص القلب والشرايين.. هكذا أصبح العلاج المجاني في النوعية العالية للإطارات في فرنسا لا معنى له لعامل الزمن. ولو كان المسؤولون في الدولة ربطوا مصير صحتهم بمصير شعبهم وشيدوا مستشفيات لهم وللشعب، لما حدث لهؤلاء ما حدث ويحدث الآن.الآن تثار حكاية غياب الرئيس كلما نقل إلى الخارج للعلاج، سواء كان نقله مسألة عادية أو غير عادية.. فالفوضى والرداءة في تسيير الملفات الصحية الحساسة أصبحت تمس في العمق الأمن المعنوي للشعب قبل المساس بصحة المسؤول المريض.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات