في كل مرة يتحدّث وزير الاتصال عن الإعلام نكتشف نظرته لمسألة دور الإعلام في ترقية الحريات الفردية والجماعية، ورسالته في الرقابة والشفافية والنماء الديمقراطي.أولا: من المؤسف أن يقول وزير الاتصال “لا نريد إعادة تجربة الصحافة المكتوبة في مجال السمعي البصري”! هل الوزير لا يعرف بأن الشيء الإيجابي الوحيد الذي بقي من تعددية 1989 هو الصحافة المكتوبة.. وأن هذه الصحافة هي المظهر الوحيد لتحرير المجال الإعلامي الوطني من الاحتلال الأجنبي؟! ألم تكن صحيفة “لوموند” و«لوفيغارو” و«الأهرام” و«الشرق الأوسط” هي الصحف التي تصنع الرأي العام في الجزائر؟! وأن التجربة التي ينتقدها الوزير هي التي جعلت الرأي العام في الصحافة المكتوبة الآن بيد “الوطن” و«الخبر” و«لوسوار دالجيري” و«ليبرتي”؟! قد نتفق أو نختلف مع هذه الصحف كسلطة ومجتمع باتجاهاته المختلفة، لكن لا يمكن أن ننكر حقيقة، وهي أن هذه الصحف قد حررت مجال الإعلام في الصحافة المكتوبة من الأجانب وأصبح الإعلام بيد الجزائريين! هي ناقصة مهنية، نعم، لكن هي آخر ما تبقى من مظاهر الانفتاح الديمقراطي لسنة 1989.ثانيا: قصور تصور الوزير لموضوع المهنية في الإعلام، فهو لا يختلف في تصوره للقضية عن الوزراء الذين سبقوه، وخاصة في ربط المهنية بالبطاقة المهنية للصحفي، كإنجاز مهني تريد الوزارة ترقية المهنية به! ففي 1987 أعدّت الوزارة في عهد المرحوم بشير رويس مرسوم البطاقة، وتم توزيع البطاقات على الصحفيين في حفل بقصر الأمم أشرف عليه وزيرا الداخلية والإعلام ومسؤول الأمانة الدائمة بالحزب محمد شريف مساعدية.. فهل الوزير ومن سبقه يريد إعادة اكتشاف الماء في هذا الموضوع؟!شخصيا عندما سلّم لي وزير الداخلية المرحوم الهادي لخضيري بطاقة الصحفي قال لي رويس، الذي كان يقف بجانبه: “المفروض أنت نسحب منك البطاقة الوطنية ولا نسلّمك بطاقة الصحفي”! لأنني كتبت في تلك الصبيحة “عمود الصحافة الكلبية”، وتم توقيفي عن الكتابة في اليوم نفسه الذي سلّمت فيه لي البطاقة الوطنية للصحفي! فقلت وقتها للوزير: “أنا أريد أن أكون صحفيا معرّفا بالإضافة إلى قلمي ولا أعرّف ببطاقة الصحفي”!إذن، فربط المهنية بالبطاقة معناه أن الوزارة هي التي تحدد من هو المهني، وليس المهنة.. تلك حقيقة أخرى ستواجه الصحفيين!ثالثا: الحكاية الخاصة بإعادة النظر في الإشهار وتسييره وقضية إنشاء معهد سبر الآراء.. هذه الأمور لا علاقة لها بالمهنية في الصحافة.. لأن مفهوم الإشهار هو من الاستغلال التجاري للإعلام في الترويج الكاذب أحيانا للسلع والخدمات.. ونسبة الإعلام في الإشهار ضعيفة جدا، فكيف يستخدم هذا في الترقية المهنية؟! هل باستطاعة الوزير أن يضع مادة في قانون الإشهار، الذي يعتزم إصداره، تلزم الشركات متعددة الجنسيات وشركات الحكومة ومصالحها بالالتزام بالترويج في إعلاناتها للسلع والخدمات، ولا تتعدى ذلك إلى استخدام هذا الإشهار في موضوع التأثير الإعلامي والسياسي لفائدة السلطة وليس الدولة، ولفائدة السفارات الأجنبية والأجانب الذين يمتلكون الشركات المعلنة، كما هو حاصل اليوم مع شركة “لاناب” وشركات تنسّق مع دول أجنبية ضد حتى المصالح الإعلامية والسياسية للدولة الجزائرية! هل سيضع الوزير بالتشريع حدّا لهذا؟! لا أعتقد؟!أما حكاية سبر الآراء فهي تشبه التنجيم الإعلامي.. نسبة الصدق فيها ضعيفة، حتى في أكثر العمليات دقة وعلمية، فكيف نرقي المهنية في الصحافة بهذا المعهد أو المؤسسة..أما حكاية سلطة الضبط فلا يمكن أن نتحدث بشأنها حتى نرى نصوص القانون، ونرى تبعا لذلك تركيبة هذه الهيئات وميكانيزمات عملها ورجالاتها، ونعرف تبعا لذلك مدى فعالية هذه المؤسسات.. وفي انتظار ذلك نقول “ليتكم تكررون تجربة الصحافة المكتوبة في البصري!”[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات