مازلت أذكر قول أمي ذات يوم - حين كنت صغيرا-.. ”نم يا بني قبل أن يأتي الغول”؟ ورحت حينها أرسم آلاف الصور الذهنية لذلك المخلوق الخرافي؟ ورحت أتساءل أيضا: لماذا يأتي فقط لإخافة الأطفال؟ ... ولكن بعد مرور السنين أدركت أن المجتمعات العربية تحترف -بصفة منقطعة النظير- زراعة الخوف في بيوتها البلاستيكية حتى تضمن منتوجا أكثر وجلا وانصياعا لسلطة الآخر.. ولم يقتصر المشهد الهزلي على هذا الحدث فحسب، بل بعد سن البلوغ تعمل السلطات العربية على توفير ما يسمى ”بحبوب منع الحلم” حتى تضمن إعاقة ذهنية لشبابها وحتى تقتل الإبداع نطفة في رحم مستبد يرفض شرعية الأمومةǃ؟... وأتذكر فجأة قول هوارس ”من يخاف ويخجل لن يكون حرا أبدا”... لذا قررت أن أعرض عن فكرة معرفة ماهية الغول وأن أبدأ بالبحث عن حريتي المفقودة وأن أتنطس في وصفها لأدرك أن حريتي تقطن مستوطنات الجناس... بين الحزب والحرب... بين الخبز والخبر... بين الأمل والعمل... بين الهذي والوعي.... بين السكر والسكْر... بين البيت والزيت... بين مناصرة الخضر وشراء الخضار ورثاء محمد أبو خيضر... وأتساءل أيضا لماذا يعقد العرب جلسات استثنائية لتعديل السعر المرجعي للنفط ويعجزون عن تعديل السعر المرجعي للرجولة، ولكن رغم جوعي للتحرر لن أقتات من بقايا الثورات المعلبة، لأنني أخشى أن أسمم مبادئي وأدخلها غرف الإنعاش والعناية المركزة... كل هذا بعيدا عن تراجيديا الأحداث الهزلية التي تبثها القنوات وبعيدا عن كل هستيريا الأنظمة العربية، بعيدا عن كل نسخ طبق الأصل لأقدارنا الهجينة، لن أعدل دساتير قراراتي لأحظى بعهدة إعجاب رابعة من قلمي التعيس، ولكن سأستثمر الحروف الحبلى من أفكار أولئك الذين يستبيحون شرف اللفظ لأنهم ببساطة أرقام متحركة بعقائد مسعفة. ومازلت أفضل المبيت على حافة الاستثناء، لأبتاع غدا كل الجرائد وأقرأ ما سيكتب ببند عريض ”الجزائري لا يخاف”.توقيع محمد زرواطأستاذ وصحفي مراسل بجريدة: بريد الجزائريا زميلي محمد لا تتساءل عن سبب عقد ”براميل النفط” الذين يحكمون شعوب الشغب وليس شعوب العرب اجتماعات استثنائية لتعديل سعر البراميل، فالسبب هو وجود صحافيين مثلي ومثلك يكتبون نصوصا تصلح لأن تكون النصوص الأدبية لتلاميذ الابتدائي تحمل ألفاظا وتعابير جميلة ولكنها لا تحمل معاني عملية. كلامك جميل لكنه لا يحمل أكثر من متعة التعابير بالألفاظ عن معان أنت خجل من قولها ”ومن يخاف ويخجل من قول ما يريد بأسلوب واضح ومباشر لا يطمع في أن يكون حرا”.نشرت لك هذا النص للتدليل للقراء على أن هناك كتابات شملها التعميم إلى حد التعويم فهي لا تختلف عن كتابات الشعراء الأسرى في دهاليز الغموض الجمالي إلى العتمة كقول بعضهم : رضعت المجد من بزولة القمر ! وقول آخر استقرت له في بؤرة الوعي ! وقول ثالثة أوزع فيكم الثدي وأقطف البنان؟ !الهروب بالشعر إلى الغموض جزء من قلة الصنعة والجبن الفكري والفني... لكن الهروب إلى الغموض بالصحافة معناه اللا معنى واللا صحافة... مع تحياتي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات