تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة انتحال صفة ضباط الجيش في الاحتيال والنصب على المواطنين والإدارة وحتى أجهزة الأمن. الصحف أصبحت تنشر العديد من هذه الأخبار في العدد الواحد. وفي المدة الأخيرة انتقل الاحتيال على المواطنين باستعمال صفة الضابط إلى الاحتيال على المؤسسات القضائية والإدارية باستعمال هذه الصفة. ترى لماذا تتسع هذه الظاهرة عوض أن تنحصر؟أولا: في الماضي كانت “صفة الضابط في الجيش” تعني الاستقامة والانحياز إلى قضايا الشعب وتعني النظافة وإلى حد ما تعني الكفاءة.. لهذا كان ضابط الجيش يترك قبعته في الواجهة الخلفية للسيارة، ويتركها مفتوحة ويقوم الشعب بحراستها.ǃوأتذكر ذلك الوقت الذي كان الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش، كان خروج الجنود والضباط من الثكنات في أيام عطلة الأسبوع مجبرين على ارتداء البذلة العسكرية الرسمية.ǃ فلا خروج من الثكنة إذا لم يكن اللباس العسكري الرسمي المرخص للخروج به مطابقا للمواصفاتǃ لذلك كان الشعب يرى أفراد الجيش في الأماكن العامة بزيهم الرسمي.. اليوم نادرا ما نرى جنديا بلباسه الرسمي.. ولا نرى اللباس الرسمي إلا في الثكنات واللقاءات الرسمية للجيش.ǃ فماذا حدث؟ǃفي مرحلة من المراحل كنا نرى ضباط الجيش يختفون في سيارات مدنية وتجارية ويستعملون وثائق مدنية للتنقل حتى لا يكشفهم الإرهابيون، لكن الآن عادت الأمور إلى نصابها، فلماذا بقي هذا الاختفاء؟ǃحتى الإهاربيون التائبون أصبحوا لا يختفون ويعلنون عن أنفسهم صراحة بواسطة اللحية واللباس.ǃ فلماذا لا يتخلى مدني مزراڤ عن لباسه وعن لحيته.. ويتخلى جنرالات الجيش عن صفاتهم اللباسية؟ǃ لو عاد الجيش إلى مبدأ استخدام اللباس الرسمي لأعضائه في التعامل مع الإدارات والمصالح العامة المدنية، لما تنامت ظاهرة انتحال الصفة التي تجتاح الحياة العامة.ثانيا: انتحال صفة ضباط الجيش في الاحتيال على الشعب والمؤسسات المدنية هو جزء من الاحتيال العام الذي تعرفه البلاد.. فالسلطة المدنية نفسها تحتال على الشعب وتنتحل صفة الديمقراطية وصفة تمثيل الشعب وهي لا علاقة لها بهذه المعاني. والأحزاب السياسية (في معظمها) تنتحل صفة الأحزاب السياسية والسياسة منها براء.ǃ والجمعيات غير السياسية تنتحل صفة الأحزاب السياسية وكذلك النقابات ولا أحد يحاسبها عما تفعل.. لهذا، فإن الاحتيال مسألة عامة، ولا يمكن أن تكون مختصة فقط باستخدام صفة ضابط الجيش.عندما تتحايل السلطة باسم الشعب على الدستور ولا يسألها أحد عما تفعل، فلا نلوم غيرها من المواطنين وغير المواطنين إذا احتالوا على الشعب باستخدام أسماء الضباط والوزراء والقضاة وغيرهم. فالاحتيال إذن أصبح مسألة عامة ولم يعد ظاهرة احتيالية خاصة بجهة دون غيرها، بل الأمر أصبح ممارسة عامة تجاوزت حدود الظاهرة لتصبح نظاما قائما في الحياة[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات