في صائفة 1973 كتب الزميل محمد عباس مقالا في أسبوعية “المجاهد” انتقد فيه حركة عدم الانحياز، وكان زعماؤها يستعدون للاجتماع في الجزائر، وثارت ثائرة وزارة الخارجية بقيادة بوتفليقة آنذاك، ووصل الأمر إلى أن أحد المسؤولين بالوزارة كلف بتعنيف الزميل محمد عباس بخصوص المقال. ومن بين ما قاله للكاتب في قصر زيغود يوسف: “مقالك النقدي لزعماء عدم الانحياز جيد ويعكس الحقيقة، لكنه غير أخلاقي وغير دبلوماسي، لأننا لا يمكن أن نصف الزعماء بالفشل ونحن نستقبلهم على أرضنا”.تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع وقائع اجتماع وزراء حركة عدم الانحياز، وأسمع وزير خارجيتنا يقول لزملائه: “لابد من النضال لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد..”، وهي العبارات نفسها التي سمعتها سنة 1973 في قصر الأمم على لسان المرحوم بومدين، ورددها في الأمم المتحدة بعد ذلك بعام، وكانت النتيجة التي تعرفونها.. فهل حركة عدم الانحياز بقيت محنّطة في الشعارات كما ذكر ذلك الزميل عباس قبل 45 سنة؟ أم أن الجزائر هي التي بقيت محنّطة ونخبها الدبلوماسية لم تستطع حتى كتابة خطاب جديد يختلف عن خطاب عدم الانحياز سنة 1973؟!حتى الرئيس بوتفليقة خاطب وزراء خارجية عدم الانحياز (بالوكالة)، وقال لهم كلاما يوحي بأنه لم يجد ما يقوله لهذه الحركة الميتة، غير الحديث عن الإرهاب كافة عابرة للقارات، والمعروف أن أمريكا وروسيا يحاربان الإرهاب أيضا.. فأي عدم انحياز بقي في محاربة هذه الظاهرة؟إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اجتماع سياسي لا معنى له في الواقع المعيش، فأي عدم انحياز هذا والرئيس بوتفليقة لم يجد ما يقوله لضيوف الجزائر غير القول إنه أجرى انتخابات جيدة في بلاده، وأنه وضع برنامجا واعدا لتنمية الجزائر، وهو يتحدّث لهم بالوكالة وعبر الكرسي المتحرك؟ربما اختارت عدم الانحياز الجزائر للاجتماع بها هذه المرة لأنها تدرك بأمن الجزائر أصبحت دولة “قعيدة” وفاشلة، ودولة بلا مهمة وبلا موضوع، تماما مثلما هو حال حركة عدم الانحياز الآن.عدم الانحياز هذه أصبحت الآن شبه نقابة للدول الفاشلة، وهي حركة تشبه منظمة عصبة الأمم قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. ولو كانت الجزائر تتمتع بحكومة راشدة سياسيا، وتخضع لرقابة الشعب عما تفعل، لوّجهت إليها المساءلة من قِبل الشعب عبر البرلمان عن الجدوى من عقد هذا الاجتماع في بلادنا وصرف ملايين الدولارات على اجتماع أقصى ما يمكن أن يجلبه للجزائر هو السماح للرئيس بمخاطبة وزراء خارجية عدم الانحياز عبر رسالة، لا يحسن قراءتها بصورة جيدة حتى من كُلّف بقراءتها بصورة جيدة.كم نحن في حاجة إلى إعادة نشر مقال الزميل محمد عباس الذي كتبه قبل 45 سنة تقريبا، فنحن مازلنا نراوح في ذلك المكان والزمان.. بالإنكار نفسه[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات