لو قالت رئاسة الجمهورية إنها لا تتعامل مع الأحزاب مثل الأفافاس والفيس وحمس، وتتعامل مع الانتهازيين في هذه الأحزاب لكان قولها صحيحا. كيف نفهم التحايل الذي تمارسه السلطة على الرأي العام والأحزاب وهي تستدعي أعضاء في هذه الأحزاب المقاطعة للحوار بصفتهم الشخصية، وليست الصفة الحزبية؟أن يتحاور التائبون في السلطة مع التائبين في الجيش الإسلامي للإنقاذ و«الجيا” حول صياغة دستور للجزائريين تكون ديباجته تكريس مبدأ المصالحة بين ضباط الجيش ومسلحي الإرهاب على أنه من المبادئ والثوابت الدستورية، التي لا ينبغي الحديث فيها، وتثّبت في ديباجة الدستور.. أن يحدث ذلك فلا تتعجبوا، لأن “الهوشة” التي دفعت الجزائر ثمنها 200 ألف قتيل و18 ألف مفقود وإحراق 25 مليار دولار لابد أن تسجل هذه “الهوشة” ضد مجهول، حتى لا تحاسب “جيا” السلطة “جيا” المعارضة الذين فعلوا بالبلاد الأفاعيل.. فلا تتعجبوا.. هذا هو دستورهم الذي يريدونه. أما دستور الشعب الجزائري الذي يحلم به منذ 1962 فهو الدستور الذي يكرّس ما يأتي:أولا: وضع آليات دستورية لمساءلة الرئيس عما يفعل في حالة إخلاله بواجباته الدستورية، وكذلك مساءلة رئيس الوزراء والوزراء. وأن يتضمن الدستور التنصيص على مساءلة الرئيس أمام البرلمان وأمام العدالة، وأمام المحكمة العليا التي قد تتشكل من رئيس المجلس الدستوري ورئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة العليا. وأن ينص الدستور على أن لا يعيّن هؤلاء من قِبل الرئيس كما هو عليه الحال الآن.ثانيا: أن يتم التخلي عن ازدواجية القضاء القائمة الآن، والتي تكرّس استبداد أشخاص في الإدارة باسم الدولة والسلطة بالمواطنين، وأن تصبح السلطة أمام القضاء مواطنا مثل بقية المواطنين، تحاسب عما تفعل، ويتحمّل من يتصرف باسمها مسؤولية ما يفعل، وأن تتم عملية رفع الحصانة عن المعيّنين بمرسوم أمام القضاء، وأن لا يبقى الحال كما هو الآن، حيث الوزير والمدير والرئيس والوالي فوق القانون ولا يحاكمون إلا بترخيص من الرئيس!ثالثا: تحرير الأحزاب والبرلمان والقضاء من سطوة السلطة عن طريق أجهزة الأمن وإخضاع كل الأجهزة الأمنية للمساءلة أمام البرلمان والحكومة، أي إحداث الفصل بين السلطات بصورة فعلية وليس شكليا.رابعا: وضع آليات دستورية لممارسة حرية التعبير وحرية الصحافة بصورة تجعلها مثل بقية البلدان الحديثة، بحيث تصبح حرية التعبير والرأي العام هي “سلطة السلط” التي يمارس بها الشعب الرقابة المباشرة على أداء السلطات الثلاث لمهامها (السلطة التنفيذية، والتشريعية والقضائية)، أي أن التشريع يشرّع، والتنفيذ ينفّذ تحت رقابة القضاء، والرأي العام يراقب الجميع عبر “سلطة السلط” التي هي الإعلام والرأي العام.. هكذا نبني الدولة الحديثة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات