لو تسمح لي يا أستاذي سعد أن أخرجك من حديث السياسة والرئيس العليل، والانتخابات المسخرة، والدستور الجديد.. إلى قصة شاب يعيش في جزائر الشكارة نتاع الدراهم... والحسرة تذبح أوصال جسدي الممزوجة بفرحة مسح أسباب وجودها الزمن، ناقشت مذكرة ماجستير بجامعة الجزائر بعد ثلاث سنوات من المعاناة. في المساء حملت أمتعتي عائدا إلى البيت، لكن قبلها اتصلت بوالدي لأحدد مكان الإقامة الجديد، فأخبرني أنه متواجد بإحدى ولايات الشرق الجزائري، حيث لم تبخل الأمطار هذا العام. بعد رحلة ليلية دامت سبع ساعات وصلت ولكن كان علي أن أستقل الحافلة مرة أخرى للوصول إلى المدينة التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 36 كلم، بعدها كان علي أيضا أن أستقل سيارة ”طاكسي” للوصول إلى البيت، لكن السائق فاجأني بالسؤال عن العنوان، فقلت: والله لا أدري بالتحديد، لكن حسب علمي بين تلك التلال. فقال لي وهو يضحك ظانا منه أني أمازحه: ماذا تفعل هناك؟ فقلت إلى البيت يا عمي. ركبنا السيارة والرجل لا يصدق ما سمع. لما اقتربنا من نهاية الطريق بدأت تظهر للعيان خيمة كبيرة تطل على سفح الوادي، فقلت: انظر يا عمي إنه البيت.. البيت. فقال الرجل والدهشة تشد أنظاره لا تقل لي يا ولدي أنك تسكن في خيمة من مسد (شعر)..!؟ فقلت: أترى ذلك الشيخ الذي يرعى الأغنام هناك، هو والدي والذي معه أخي وهو خريج الجامعة وقد درس الصحافة المكتوبة. قال يا للعجب العجاب ودمعت عيناه، وحلف لي بأن لا يأخذ أجرة ”الطاكسي”. وهو يقول ”هذوهوما الرجال يا ولدي هذوهوما”.. لما اقتربت من الخيمة نادتني أمي وهي ترمي حزمة الحطب من على ظهرها.. سليم سليم.. وببساطة أهل البادية قالت: ”واش نجحت؟”. قلت: ”نعم”. قالت: ”مبروك بالاك تخرجنا من الهملة هذي”. قلت: ”إن شاء الله.. إن شاء الله.. على الأقل نديروا دار كي الناس تحمينا من أشعة الشمس الحارقة التي تصل في عز الصيف إلى 40 درجة مئوية ونصومو رمضان بمياه من الثلاجة بدل القربة”.. ولا تسألني يا أستاذي سعد عن التلفاز وعن المونديال...هاه هاه هاه... بعدها توجهت إلى أخي الذي سألني مباشرة عن الجريدة، فهو ومن شدة هوسه بالجريدة يركب الحمار كل صباح قاطعا مسافة 3 كلم ليشتريها لتمر علينا تباعا لنقرأها، لكن أبي قاطعه قائلا لي: ”واش درتها يا وحد الذيب، مبروك مبروك..”. ولكنه كعادته لم ينس أن يسألني عن بوتفليقة وعن مرضه وعن السياسة والعاصمة.. ثم بادرني بابتسامة قائلا: ”عندك الزهر جيت في الوقت باش تاكل الطمينة غدوة نجزوا لغنم...هاه هاه هاه”. نعم، يسألني عن بوتفليقة الذي نعرفه ولا يعرفنا وعن سلال الذي أوصانا نحن الطلبة باستعمال ”جال قومينا” وما نتعداوش على بعضانا.. والله يا أستاذي لو تدرك شعور إنسان حصل لتوه على شهادة ماجستير ويجد نفسه يأوي إلى خيمة بين الجبال لأدركت ما أحس به.. إيه يا قلبي كون صبار واصبر على ما جرالك، أرقد على الشوك والنار حتى يطلع نهارك.. عندما أتجول في أزقة العاصمة أدرك أن هؤلاء الشباب لا يدركون من الحياة شيئا...آه، آه لو أني عشت في زمن بومدين على الأقل إنه قال ذات مرة: ”..ولد الفلاح يخلصو بالكسرة يعني يخلصو بكرشو.. لا، لا، ولد الفلاح اليوم لازم يروح يقرا، لازم يروح يقرا..” الله يرحمك يا بومدين. إيه يا بومدين قرينا ومازال عايشين في الخيام والبوادي.. يا بومدين خليدة صرفت 561 مليون دولار على الثقافة، وأنا والله ما عندي باش نجلد خمس نسخ للمذكرة نوزعها على المكتبة الوطنية وcerist... والله العظيم ما عندي. أخيرا لم أجد أفضل مما قاله رابح درياسة في إحدى أغانيه: مثلت روحي لحمام مبني على صهد نارو... من فوق مابان دخان ومن تحت طابو حجارو... إيه على زمن بومدين زمن كان فيه كل شيء جميلا حتى أغانيه كانت جميلة.. أغاني بڤار حدة، زوليخة لواج، خليفي احمد، رابح درياسة.. لا تنسى يا أستاذي سعد أن تأتي لزيارتي شهر رمضان القادم لنتقاسم إفطار أهل البادية ولتدرك معي معنى صيام يوم في عز الصيف، نقضي نهاره نسرح بقطعان الماشية ونفطر على ماء القربة وكسرة لحطب. أتمنى يا أستاذي سعد من كل قلبي أن تنشر رسالتي على الأقل لأحس أن صوتي وصل لأصحاب القرار في البلاد، وأخبرهم بدلا عني أني لن أسامحهم أبدا أمام الواحد القهار. سليم سليم: بلا عنوانملاحظة: ابك في صدرك سكتنا.. لا تترك دمعتك تفضحنا واتهدد أمن الرئيس.ǃ من حق الدموع أن تتحجر في المقل واللسان يردد:كم طوى البؤس أناسا لو رعت منبتا خصبا لكانت جوهرا.ǃ[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات