+ -

 أكتب إليك أخي سعد لأنني لم أعرف لمن أشكو بمن أشكو وبما أشكو، بعدما أصبح الفساد قيمة أساسية في جمهوريتنا، مكانته كمكانة اللغة والدين في دستورنا.أخي سعد، أنا مقاول في مجال البناء ومهندس، هاجرت منذ أكثر من عشر سنوات إلى الخارج، عملت خلالها في كبرى شركات المقاولات وكنت مسؤولا عن بعض مشاريعها في بعض البلدان، ومنها الجزائر. عدت مع أولادي منذ أكثر من سنتين بعد وفاة زوجتي، وأردت العمل والاستقرار في وطني. تخيّل أنه منذ عودتي لم أتمكن من الحصول على أي مشروع، لأني وبكل بساطة لا أدفع رشاوى ولا أريد أن يأكل أولادي الحرام.سابقا، كان الفاسدون معدودين ويتسترون، لكن اليوم كل الأسماء (الظاهرة على الأقل)، وحتى مبالغ الرشا أصبحت معروفة، بل أصبح هؤلاء يتفاخرون ويتكبرون بالمال الحرام، فحتى لو قدمت أحسن عرض وأقل عرض فلا تنتظر الحصول على شيء إن لم تقم بـ”واجبك” تجاههمǃأخي سعد، ألا يوجد من يسأل رئيس مصلحة لا يتجاوز راتبه الشهري أربعين ألف دينار ويملك سيارة بسبعة ملايين دينار ويسكن قصرا؟ ويسأل مديرا تنفيذيا ماله لا يعد ومقاولا مبتدئا يدير مشاريع بمئات الملايير: “من أين لكم هذا؟”.أخي سعد، إخطبوط الفساد ضخم.. قد تعرف أوله، لكنك لا تعرف آخره، وأنا يا سعد، ليس من معارفي لا وزير ولا ابن وزير، لا جنرال ولا ابن جنرال ولا والي ولا ابن والي، وخيّروني بين الهجرة، الرشوة، أو ربما أن لا يجد أبنائي ما يأكلون، فبما تنصحني يا سعد؟تائه في وطنه❊ حقيقة لا أملك ما أنصحك بهǃ هل أقول لك اتصل بفريد بجاوي أو شكيب خليل أو غيرهما، فهم أدرى بما ينصحانك بهǃ أم أقول لك ارفع أمرك إلى المرصد الوطني لمكافحة الرشوة في حيدرة.. والذي أصبح لا يرى شيئا، لأن الرشوة وصلت إلى الحكم في البلاد، أو اشتكي إلى مدير عام الشرطة الذي تحوّل عن مهامه الشرطوية في مكافحة مثل ما تقوله من الأمراض، وتحوّل إلى مكافحة المحتجين عن الغاز الصخري في عين صالحǃماذا أقول لك أخي التائه في وطنه؟ بلدنا الآن أصبح يعاني احتلالا غاشما هو أسوأ من الاحتلال الأجنبي وأخطر منه، هذا الاحتلال هو احتلال الرداءة والفساد لمؤسسات ودواليب الدولة، والأمر يتطلب هبة تحرير جديدة لا تقل عن هبة 1954 ذات نوفمبر.أنا مثلك تائه بين الحروف، ولا أعرف ما أفعل وماذا أقول لك.. وكما قال بورڤيبة رحمه الله: “العريان والعريان لا يلتقيان إلا في الحمامǃ”، أعانك الله بالصبر والثبات على الحق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات