أستاذ سعد، تحية طيبة..سألت نفسي كثيرا: “الوطن”.. ما معناه؟ ولماذا علي أن أبادل “ترابا” مشاعري، وأن أفديه بنفسي؟ وفي مقابل ماذا؟ لا يربطني بالوطن.. سوى والدي ووالدتي رحمهما الله، وعائلتي الصغيرة، وبعض الأصدقاء، وشيء من أريج الذكريات المتناثرة هنا وهناك.. كنت أفكر هل علي أن أحب الجلفة أو عنابة أو وهران؟ هل يجب علي أن أفديها، وأموت دونها؟ وما هو الثمن؟ لماذا علي أن أفدي تراب الوطن بحياتي، وبكل كياني، ووطني ربما سيبيعني برخص التراب؟ǃ الجزائري قيمته رخيصة داخل “وطنه”، وتزداد رخصا إذا ارتحل “خارجه”ǃ ولو وقع له مكروه في الغربة، فلن يخطر ببال أحد أن يحميه أو يمدّ له يد العونǃوطني، جوفه مترع بـ”الذهب الأسود”، ومعظم ساكنيه يعيشون لاهثين وراء سكن 100م ووظيفة.ثم عليهم أن يفدوا هذا “الوطن” بأرواحهم.الوطن.. ليس قصة حب سخيفة، حب من “طرف واحد”ǃ بكل صراحة، إذا لم يبادلني وطني الحب، فما الذي يدفعني لحبه؟ صدقوني بأني تساءلت كثيرا كثيرا: “المواطن الجزائري” لو خطب وده “وطن آخر”.. فما هو الشيء الذي سيتمسك به للبقاء، ورفض ذلك الإغراء؟وطني كيف أحبه إذا أرغمني على ركوب البحر لكي أكون طعاما للحيتان أو الوصول لأنعم بحياة جديدة، وإذا عجزت عن الفرار يحاكمني بتهمة الهروب من بؤسي وشقائي. إذا كنت تحب وطنك عش في اليأس والشقاء واجلس في المقهى وتجرع المرارة.وطني الذي لا يؤمّن لي الحياة الكريمة ولا يحقق لي أمنيتي في أن أعيش كما الحيوانات في أوروبا، حيث سنت لها قوانين تحميها من المسيء إليها.وطني كيف أحبه وهو يعتبرني مجرد رقم في إحصاء سكاني وغيري من الطبال والزمار والفاسد والمرتشي والخائن، هو من له حق القول وأنا مجبور على سماعه والتصفيق له.وطني كيف أحبه وهو جعلني أشعر أنني أسوأ من قطيع الغنم، لأن الغنم عندما تسرح تأكل من النبات ما تريد، لكني مجبر عل أكل ما يقذفه تجاره وأثرياؤه وحتى لو كان فاسدا.. وحتى هذه اللقمة أكدّ طوال اليوم من أجلها.وطني الذي يقوم أحد وزرائه بالصوت والصورة وعلى الملأ بلعن والدي إذا لم أحبه وأحب مناصري مرشحه للانتخابات في سابقة لا مثيل لها في أسوأ البلدان، ولا يتحرك رئيس وطني الذي وعدني بالعزة والكرامة لردع من تعدى على كرامتي ولا يتحرك قضاؤه لصون شرفي.وطني جعلني بين خيارين، إما أن أحب هذا الوزير والرئيس وكل الحاشية وإلا ملعون والدي. هل سمعت بهذا قبلا أستاذ سعد؟النايلي - الجلفةهل بعد هذا بقي معنى لبيت الشعر الذي يقول:وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسيالوطن الذي يصبح الهروب منه بركوب أخطار الموت متعة لدى الشباب بعد أن كان الموت من أجل شرف تحريره متعة لشباب الثورة، مثل هذا الوطن الذي وصل حاله إلى هذه الحالة يحتاج إلى ثورة أخرى تعيد صياغة مفهوم الوطن والوطنية.في ظل العولمة، أصبحت الوطنية لصيقة بالمصالح، والوطن الذي لا يوفر لشبابه ما يريده لا يوفر لهم الوطنية... وما كتبه هذا النايلي يدمي القلب، لأن الوطن أصبح مأوى ذئاب كدرت صفو الحياة على الشباب.. وتحول الربع إلى مجرد ذكريات كما ذكر النايلي[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات