اتضح الآن أن الغموض الذي مارسه الرئيس بوتفليقة طوال سنة كاملة بخصوص ترشحه لعهدة رابعة وتعديله للدستور قد لعب دورا إيجابيا، حيث مكّن الغموض البلاد من أن تجتاز السنة.. سنة الشك دون مشاكل.. تصوروا لو أن الرئيس لم يتصرف هذا التصرف الغامض.. هل كانت البلاد تعرف هذا الاستقرار النسبي؟! فالأحزاب والشخصيات السياسية تتقاتل على فكرة التأييد والمساندة للرئيس بهذه الطريقة اللعينة.. فماذا لو أعلن الرئيس عدم ترشحه للعهدة الرابعة قبل سنة أو حتى قبل 6 أشهر! أكيد أن العديد من الوزراء سيمتنعون عن الحديث معه في الهاتف، ولا أقول التعامل معه في أمور الدولة.. بل حتى حاجبه وكاتبه الخاص لن يقدّما له فنجان قهوة أو كأس ماء! ومن هذه الزاوية، فإن الغموض الذي لفّ موضوع العهدة الرابعة كان لزوم الشغل بالنسبة لرئيس يحرس على مغادرة الحكم بلا مشاكل، وهذا موقف يحسب له.حتى هولاند رئيس فرنسا لعب هو أيضا دورا إيجابيا في استقرار الجزائر، حين قال قبل 10 أشهر إن الانتخابات الرئاسية الجزائرية ستجرى في موعدها. ولم يحدد هولاند موقف فرنسا من ترشيح بوتفليقة لعهدة رابعة، وهو ما جعل ”البنادرية” والانتهازيين يدخلون في حالة من السبات الشتوي!الآن الدستور لا يعدّل، والرئيس لا يترشح.. ومعنى هذا الكلام أنه سيعيد الأمانة إلى أصحابها كما استلمها أول مرة قبل 15 سنة. وهذا معناه أن ما قيل عن الخلاف بينه وبين أصحاب الأمانة ما هو إلا مسرحية أحسن الطرفان أداءها بنجاح من أجل إلهاء الناس عن المشكل الحقيقي الذي ظل يطرح كل ما جاءت الانتخابات الرئاسية، وهو متى يمكّن الشعب من حقه في اختيار الرئيس؟!هذه المرة تجري الرئاسيات وحالة البلاد الاقتصادية مقبولة.. لكن حالتها الاجتماعية كارثية.. وتجري الرئاسيات وحالة الأحزاب والمؤسسات الدستورية تعرف هزالا لم تعرفه البلاد ولن تعرفه أبدا؟! هل كان الجزائري يتصور أن تُحكم البلاد مرة سنة كاملة بلا رئيس وبلا مجلس وزراء! بل هل كان يتصور أحد أن مجلس الوزراء يجتمع مرة واحدة أو اثنتين في السنة ولا يدرس مأساة مثل مأساة غرداية ويذكرها الرئيس عرضا في سياق المتفرقات! هل هناك هزال في مجلس الوزراء مثل هذا الهزال؟!لقد قال لي أحد الوزراء إن اجتماع مجلس الوزراء الأخير لم يهتم فيه أحد بمحتوى الاجتماع قدر اهتمام الجميع بمعرفة الحالة الحقيقية لصحة الرئيس.. وهي الحالة التي يعرفها الفرنسيون والأمريكان بدقة ولا يعرفها وزراء حكومة الجزائر! ولا أتحدث عن الشعب الجزائري!هل ندخل في التعديل الدستوري القادم مادة تفرض على الرئيس أن يقدّم كشفا صحيا كل سنة للبرلمان، كما يقدّم خطابا للأمة حول وضع الأمة؟!المشكلة هي أن كل الدلائل تقول إن الرئيس القادم للجزائر سيتم اختياره بطريقة ألعن من الطريقة التي اختير بها الرئيس الحالي.. وكما قال مهري العظيم: مازلنا في النفق المظلم ولم يظهر الضوء بعد! وقد يؤدي الحراك في ظلمة النفق إلى هدّه على رؤوسنا.. والعياذ باللّه[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات