حتى الإعلام السمعي البصري الجزائري أخذ حقه من الهزال المهني مثل بقية القطاعات والمؤسسات الأخرى في الدولة، ولكنه زاد من عنده بعض الشيء في الغوص في الرداءة واللامهنية أكثر مما يلزم... فاستبدلت بعض القنوات الفضائية حكاية “الشيتة” بحكاية “التقطين”!بات واضحا أن منسوب الحرية والديمقراطية في السياسة والاقتصاد يحدد منسوب المهنية والرداءة في تسيير البلاد... وفي الإعلام أيضا منسوب الحرية والديمقراطية هو الذي يحدد منسوب المهنية والرداءة. والأمثلة على ذلك حاضرة في القنوات الفضائية، فمنسوب الحرية والمهنية العالية في بعض القنوات الفضائية التي تخاطب المواطن الجزائري من الخارج قد جعل هذه القنوات أقل رداءة وأكثر مهنية من مثيلتها التي تبث من الجزائر منذ سنوات... ولا يحتاج المشاهد إلى كبير عناء ليعرف علاقة المهنية بالحرية وعلاقة الفساد بالرداءة! فكلما كانت القناة ذات علاقة بالفساد والاستبداد، كانت أكثر رداءة وأقل مهنية.فمحاصرة الفساد بواسطة الإعلام هي مهمة وطنية عمومية للإعلام الجاد... ونقد الأوضاع هو في النهاية تقديم خدمة للوطن وللسلطة أيضا حتى ولو كانت المناقشات مؤلمة.القنوات الموجودة في الجزائر غارقة في الرداءة المهنية بسبب البطش السلطوي والتضييق على الحريات، إلى درجة أن هذه القنوات أصبحت منابر بائسة لخطاب السلطة البائسة! وفي أحسن الحالات منابر للشعوذة الدينية والتهريج الإعلامي مثل حكاية “الكاميرا كاشي” التي أصبحت شكلا من أشكال الرداءة في السمعي البصري الجزائري.والمصيبة أن حتى السياسيين والنواب والوزراء الذين يقعون في شباك الكاميرات المخفية في الفضائيات الجزائرية يكشفون عن غباء ورداءة تثير القلق فعلا، إذ كيف يسيّر هؤلاء قطاعات حساسة أو يمثلون الشعب والدولة وهم على هذا المستوى من الغباء الذي تكشفه الكاميرا المخفية! كما أن تهافت المسؤولين السياسيين وغير السياسيين على الظهور في هذه القنوات هو الذي رفع من منسوب الرداءة وقلة المهنية والبلادة في برامج هذه القنوات.منذ سنوات، كنت أتصور أن حال السمعي البصري في الجزائر سيكون أسوأ من حاله في مصر من حيث الرداءة وقلة المهنية والفساد... لكن الواقع اليوم في الجزائر أسوأ مما كنا نتصور!وأحس بأن القارئ يسألني: ما الحل لهذه المعضلة؟!والجواب واضح: لابد من إطلاق الحرية... فليس من المعقول أن نكبت حريات القنوات التي تبث في الجزائر، في وقت تنشط القنوات التي تبث من الخارج بكل حرية في ظل السماوات المفتوحة... فالمسألة إذن لها علاقة بسوء إدارة السلطة، فلا يمكن فرض “حماية جمركية” على الجزائر في ظل السماوات المفتوحة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات