الارتباك الذي أصبحت عليه حالة السلطة في البلاد يعود أساسا إلى الفراغ الرهيب في مصدر القرار السلطوي.. فالمؤسسة العسكرية التي عليها عبء اتخاذ القرارات منذ استقالة الرئيس أو إقالته لا تعمل كما يجب في موضوع اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب بسبب ادعائها بأنها ليست صاحبة القرار.. وأن القرار هو في النهاية في يد الرئيس الذي يحتج الشارع على وجوده أصلا.كما أن الفوضى الموجودة في صفوف أسلاك الأمن المختلفة جعلت هذه الأجهزة الحساسة لا تعمل كما يجب في إعداد المعلومات الدقيقة لصاحب القرار... وفي كثير من الأحيان لا تنقل حتى المعلومات الصحيحة لصاحب القرار... بسبب تعدد الجهات صاحبة القرار وبسبب عدم اعتراف بعضها بالآخر كمصدر للسلطة أو مصدر للقرار... دستوريا ليس لقائد الأركان أو حتى نائب وزير الدفاع الحق في أن يعرف كل المعلومات التي تعدها مصالح الأمن وحتى التي تستخلصها العدالة من التحقيقات... كما أن رئيس الدولة المؤقت، بن صالح، ليس له الحق في تشغيل كل وسائل الأمن لصالحه والحصول على المعلومات المطلوبة التي كان يحصل عليها رئيس الجمهورية قبله... وهذا لأن الدستور لا يسمح له حتى بالإطلاع على هذه المعلومات الدقيقة، وقد بات جليا أن مصالح الأمن المختلفة لا تطلع رئيس الدولة عما يحدث في أجهزة الدولة والشارع... وظهر ذلك من خلال عدم تقديره لمسألة عقد الندوة التي دعا إليها المعارضة والحراك ولم يبلغ بما فيه الكفاية من معلومات بأن مسعاه غير مقبول شعبيا... ولهذا وقع في الخطأ القاتل وهو عقد ندوة ميتة قاطعها هو نفسه في آخر لحظة.كما أن الخطب التي يلقيها قائد الأركان كل ثلاثاء وينتظرها الشعب لعلها تحمل الجديد في حلحلة الأزمة... هذه الخطب هي الأخرى لا تجيب على الأسئلة الحائرة التي يطرحها الشعب في الشارع... وقد ظهر جليا في هذه الخطب أن قائد الأركان لا يعرف بالتدقيق ما يحدث في الحياة العامة وفي صفوف الشعب... إما لأن مصالح الأمن المختلفة تحجب عنه الحقيقة لأنها تعتبره غير مؤهل دستوريا للإطلاع على هذه المعلومات، أو أنها لا تعرف هي نفسها هذه المعلومات بالتدقيق بسبب عمليات التغيير والتغيير المضاد لقياداتها في المدة الأخيرة، ما أربك هذه الأجهزة الحساسة وجعلها لا تقوم بدورها كما يجب.وخلاصة القول أن البلاد لا تعيش ثورة شعبية فقط، بل تعيش فوضى عارمة في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتعيش فراغا رهيبا للسلطة ومؤسساتها، وكلما تأجل الحسم في هذا الموضوع، ازدادت خطورة الوضع العام وارتفع منسوب المخاطر المحدقة بالبلاد. فهل أنتم مدركون؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات