بالتأكيد أن الاحتجاجات الشعبية السلمية التي عمت البلاد في الشهرين الأخيرين كانت موجهة أساسا إلى ظاهرة الفساد السياسي الذي عم البلاد وضرب مؤسسات الدولة الدستورية في مقتل خلال الـ٢٠ سنة الأخيرة على الأقل..1 - الفساد السياسي كان هو رأس كل فساد عرفته البلاد ولهذا اتجهت الاحتجاجات إلى مطالب محددة، هي سياسية تستهدف إنهاء حالة الفساد السياسي من خلال تأكيد المتظاهرين على فكرة المطالبة بتغيير النظام و”السيستام” الذي أنتج هذه المؤسسات الفاسدة من الرئاسة إلى البرلمان إلى الحكومة.. إلى الوزارات.2 - محاربة الفساد المالي والاقتصادي الذي باشرته السلطة أو بقايا السلطة بأذرع العدالة هو مهمة جيدة، ولكنها ليست هي جوهر مطالب الشعب.. فالفساد المالي والاقتصادي المستشري في البلاد سببه الأساسي هو وجود الفساد السياسي. ولا يمكن القضاء على الفساد المالي قضاء مبرما إذا لم يتم القضاء على الفساد السياسي الذي تسبب في انتشار هذا الفساد على نطاق واسع كما بينته الحملة الأخيرة.. فهل من المنطقي أن كل، أو على الأقل جل رجال المال في الجزائر، مفسدون.. والنظام السياسي الذي أنتجهم ويرعاهم لا يعرف حتى يحاربهم اليوم إرضاء للشعب.3 - ليس الفساد الاقتصادي المالي هو الذي صنع الفساد السياسي، بل العكس هو الصحيح، ولهذا من الخطأ الفادح أن نحارب ثمرة الفساد السياسي وهو المال الفاسد ولا نحارب الأصل الذي هو السياسة التي تنتج هذا الفساد!4 - الشعب أصبح واعيا كل الوعي أن ثورته تتجه إلى إنهاء حالة الفساد السياسي الذي تعيشه البلاد.. فالجهوية والزبائنية.. وسيادة الولاء على الكفاءة في تولي المسؤوليات الحساسة في الدولة هي التي أوجدت الأرضية الخصبة لنمو الفساد المالي على هذا النطاق الواسع، كما أن حكم البلاد بالنظم الأسرية خارج الدستور، لما يسمى بالقوة غير الدستورية، هو الذي شرعن الفساد وأنماه، لهذا فإن تطور مطالب الشعب من حالة رحيل الرئيس الذي تسبب في هذا الأمر، إلى حالة رحيل النظام بأكمله، يعد حالة وعي متنامية في مقابل سوء فهم السلطة أو بقايا السلطة لمطالب الشعب.. وكلما تأخر الفهم لمطالب الشعب كلما تجذرت المطالب وأصبحت راديكالية ومهددة، ليس للنظام فقط، بل حتى للأمن العام للبلاد، ويكفي أن تعرف بقايا السلطة أن وضعهم في بداية الثورة أحسن من وضعهم الآن، وسيكون أسوأ في المستقبل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات