حملة محاربة الفساد لا تقل فلكلورية عن الإدارة السياسية للملف السياسي من طرف (رئيس الدولة) بن صالح! ويكفي أن تعرف فقط أن مكافحة الفساد عملية فلكلورية حين تسمع بأن رجال المال، ولا أقول الأعمال، قد ألقي عليهم القبض لأنهم مارسوا النفوذ في نهب المال العام! ولسنا ندري كيف يمارس هؤلاء النفوذ وهم لا علاقة لهم بوظائف الدولة العمومية أو المفروض فيهم أن يكونوا كذلك! والكلام الصحيح الذي يخصهم في هذا المجال هو أنهم غطوا على السرّاق الحقيقيين، وهم رجال الدولة الذين سرقوا بهم أو معهم! وكان المفروض أن يساق إلى العدالة هؤلاء المسؤولون الذين مكنوا السرّاق من السرقة، مثل السرّاق الذين يقال عنهم رجال الأعمال، وهذه واحدة، والأخرى هي أن رجال المال أيضا الذين توبعوا بتهم الفساد ينتمون إلى جهة واحدة أو جهتين، وهذا معناه أنه ليس هناك توازن جهوي في محاربة السرقة... وربما مرد ذلك هو أنه لم يكن هناك توازن جهوي في السرّاق... حيث كانت مناطق عديدة من الوطن محرومة من السرّاق مادامت عملية توزيع المال العام تتم عبر السرقات؟! كما أن مسألة الانتقائية في اختيار السرّاق هي أيضا ظاهرة واضحة في هذه الحملة... ربما لأن هناك سرّاقا سياسيين كبارا، وهناك سرّاقا غير سياسيين صغار، ولهذا تم السكوت عنهم، والملاحظة الثالثة هي أن البلاد قدمت بالحملة هذه رجال أعمالها على أنهم كلهم سرّاق! وأن البلاد ليس فيها رجال أعمال ومال، بل فيها سرّاق فقط.. وأن سرقتهم مرتبطة برجال السلطة على أعلى مستوى... ولهذا يمكن فهم لماذا يهرّب المال الخاص الأجنبي من الجزائر.. فالبلاد التي تقدم نفسها للرأي العام على أنها بلاد اللصوص، لا يمكن أن يأتي إليها المال الأجنبي الآمن!والملاحظة الرابعة هي لماذا تتحدث المؤسسة العسكرية عن السرّاق وتطلب من العدالة أن تقوم بهذا الأمر، ولا يقوم بذلك رئيس الدولة بن صالح أو غيره في البرلمان والحكومة؟! هل الأمر له علاقة بمحاسبة العسكر للمدنيين على السرقة وسوء التسيير للشأن العام؟ وبالتالي الشروع في تشييد دولة لا تزول بزوال السرّاق!والملاحظة الخامسة هي أن هذه الحملة تمت بعد سنة أو سنتين من النهب المنظم للمال العام عن طريق طبع ما لا يقل عن 60 مليار دولار، وتوزيعها على رجال المال أساسا، وتم خلال هذه المدة تهريب هذه الأموال إلى الخارج بواسطة السوق السوداء وبواسطة التحويلات غير الشرعية.. فقد كانت الطائرات الخاصة لرجال الأعمال تنقل بحرية الأموال إلى الخارج بهذه الطائرات.. ولهذا قامت السلطات العسكرية بمنع هذه الطائرات من التحليق مؤخرا ربما لعلمها بأنها تقوم بعمليات تهريب الأموال إلى العواصم الغربية والشرق الأوسط تحديدا، وليس بسبب الخوف من هروب هؤلاء فقط!والملاحظة السادسة هي أنه لا توجد حتى الآن شخصية سلطوية قدمت إلى العدالة أو سجنت بسبب تقديمها تسهيلات للسرّاق لسرقة المال العام... وحتى قضية مدير البنك المركزي السابق والوزير الأول السابق اللذين استدعيا إلى العدالة، فهي عملية شكلية لا أثر قضائي لها، بحكم أن الاثنين يتمتعان بالامتياز القضائي والذي سيمكنهما من الخروج من القضية بسلامة تامة، خاصة الوزير الأول المحمي قضائيا بمحتوى المادة 177 من الدستور، والتي تنص على أن الوزير الأول يتابع قضائيا بمحكمة خاصة ينشئها الدستور وفق القانون، وهذه المحكمة لم تنشأ حتى الآن منذ 22 سنة من التنصيص عليها في الدستور، ولهذا فلن يحاكم رئيس الحكومة ولا رئيس الجمهورية إلا بإجراءات خارج القانون والدستور... هل فهمتم الآن لماذا كل هذه الأمور هي فلكلور سياسي بائخ، والإيجابي فيه فقط هو أن الشعب عرف أنه سُرق.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات