اسمح لي يا سعد، والبذل ليس بالغريب عنك، أن أستعير منبرك الراقي... لأتطرق لهذا الموضوع الذي بات فعلا يشغل مساحة كبيرة من تفكير الجزائريين وممارساتهم اليومية، نخبتهم وعامتهم، حتى صار في الآونة الأخيرة مثارا للنقاش الجاد في الفضاء العام الجزائري، بعد القضية التي رفعتها قناة خاصة ضد أحد النشطاء الفايسبوكيين، وهو ما يحيل إلى قضية أعمق تتعلق بالاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفها في ما يخدم البلاد والعباد أو العكس، خصوصا أن الفايسبوك في الجزائر يحصي أزيد من 20 مليون مستخدم شهري نشط، ما يمثل رأيا عاما افتراضيا ضخما جدا.الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي عموما، ليست منصات للتنفيس أو التنكيت ونسج العلاقات الإنسانية العابرة فقط، أو التباهي بالصور ونمط العيش والفخفخة، وليس مسلكا للابتزاز والجريمة بالمطلق، وهو أيضا ليس أكبر اختراع لإضاعة الوقت في تاريخ البشرية – على رأي الكاتب الأمريكي “نورمان مللر”، بل تعتبر هذه الشبكات من أخطر وسائل صناعة وتوجيه الرأي العام وتسميمه، كما أنها – إذا أحسن استخدامها – واحدة من أقوى آليات التغيير الإيجابي التي يمكن أن تعمل على مستوى العقليات والذهنيات المشروخة وقلة الوعي بغرض إحداث خلخلة في المفاهيم والمسلمات المجمدة التي تعيق التطور وتضيق علينا زاوية الرؤية، فلا نرى أبعد من أرنبة الأنف، كما أنها بديل حضاري مهم لوسائل الإعلام المحتكرة من طرف النظم السياسية، بالنسبة لأولئك الذين يشتكون التضييق والإقصاء الممارس عليهم منها، وهي مدرسة كبيرة مفتوحة وبلا جدران، للنخب التي تروم نشر الوعي والفكر النقدي وكسر قيود “الدوغما” التي تقيد الأفهام والألباب، بفضل سرعة انتشار المعلومات التي تتيحها هذه المواقع واستحالة الرقابة الفيزيقية والفكرية، وأيضا – وهذا هو الأهم – للطبيعة العلائقية الأفقية التي يتميز بها البناء التنظيمي لهذه المواقع والشبكات، والتي تجعل من التواصل غير محدود وفي المكان والزمان، ولا يخضع لاعتبارات الوظيفة والمركز أو الإجراءات المعقدة والعمودية.حري بالنخب الشريفة، يا سعد، أن تولي أهمية للنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغذية صفحاتها بالأفكار المفيدة والملهمة التي تشيع الوعي وتفتح الأذهان وتملأ العقول بالمعارف وتتصدى لكل ما يطرأ من مستجدات تحليلا وتفكيكا ليفهم الناس ما يجري على بينة ودراية، وليس من مصادر مجهولة مشكوك في هويتها، تتلاعب بهم كما شاءت، عوضا عن الانكفاء والتقوقع على الذات والنحيب على واقع مأزوم وتقاذف التهم، فالمسؤولية جسيمة ولا تقبل بالمسوغات، وهذه الفضاءات مشرعة أمامهم لا أحد يمعنهم منها، فليمدوا جسور التواصل مع الملايين الذين تظنهم هذه النخب “مدجنين” يتحركون ضمن قطيع فاقد للإرادة والوعي، حتى يشعر القطيع بهذا الانتماء المقيد ويتلمس الغشاوة التي وضعت على أعين أفراده، فيسهل عليه الخروج منه، وأن لا تكون هذه النخب أقل شأنا من “نجوم” مواقع التواصل الاجتماعي الذين يحظون بملايين المتابعين، رغم أنهم متواضعون فكريا وثقافيا وحتى أخلاقيا.ومع ذلك فقد وجدوا مكانا شاغرا فاحتلوه، والطبيعة، كما تعلم، لا تقبل الفراغ.قيل لأعرابي “ويحك، لقد زاد سعر الطحين”. فقال “لا يهمني، فأنا اشتري الخبز”.مثل هذا الأعرابي، يا سعد، كمثل النخبة عندنا التي لا تهتم بما يدور حولها من قضايا ونقاشات وطنية حاسمة على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء العام، ولا تساهم في إثرائها وتوجيهها نحو الأفضل، بل تراها تهز أكتافها تعبيرا عن اللامبالاة وتقول “هذا شأن لا يعنيني”، رغم أنها الأولى التي تدفع ثمن أي انعطافة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، والله أسأل أن يحمي بلادنا وشعبنا من كيد الكائدين.عبد العالي زواغي: إعلامي
تتذكرون أنه في الثمانينات من القرن الماضي دوّخ “البارابول” عموم الجزائريين والآن أصبح الأمر عاديا... كذلك الأمر سيكون في موضوع “الفايسبوك” ومحطات التواصل الاجتماعية... فالإيجابيات كثيرة قياسا بالسلبيات[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات