المجاهد العقيد محمد الصالح يحياوي يغادرنا إلى دار البقاء.. إنه سابع الثمانية الذي يغادرنا من الذين ترك المرحوم بومدين الجزائر أمانة بين أيديهم وهم يحياوي وبن شريف ودراية وبلهوشات والطيبي العربي وعبد الغاني والشاذلي وبوتفليقة، إنهم أعضاء مجلس الثورة الثمانية الذين ترك بومدين الجزائر وصية بين أيديهم، كما ترك عمر ابن الخطاب وصية في الستة المشهورين، ولم يبق من الثمانية سوى الرئيس بوتفليقة.1- أول لقاء لي بالعقيد يحياوي كان في ربيع 1972 بأكاديمية شرشال، حيث كان المرحوم مدير الأكاديمية وكنت أجتاز الخدمة الوطنية مع مجموعة من الصحافيين الخريجين من مدرسة الصحافة. فقام الرائد المرحوم سي العربي لحسن مدير التدريب باستدعائنا الى مكتب العقيد يحياوي، وقال لنا إنه يريدكم لأمر هام، فدخلنا عليه ثلاثتنا، فقال لنا أريد منكم كصحفيين إنشاء مجلة الأكاديمية ويكون عملكم في هذه المهمة خارج التدريب العادي وعلى حساب أوقات فراغكم، وهو ما كان بالفعل وأنشأنا أول عدد لمجلة الأكاديمية شرشال.2- بعد سنوات عين يحياوي على رأس جهاز الحزب وشهدنا مع قدومه حركة جدية لم يشهدها الحزب قبله، جدية وتنظيما وصرامة! وأشهد أنه جلب معه مجموعة من المعربين الأكفاء من أمثال علي بن محمد وعبد المجيد شيخي وبشير خلدون، وتحول الحزب إلى خلية نحل وانفتح إعلام الحزب في عهده إلى ملاحقة التقصير في عمل الحكومة بحرية أكبر. وفي هذا السياق، كلفت بإنجاز تحقيق حول وضع الجالية الجزائرية في فرنسا، وقضيت شهرا كاملا أتنقل بين أحياء العمال المهاجرين، دون أن تعرف الودادية والسفارة شيئا عما أفعله. أنجزت سلسلة تحقيقات أثارت ضجة في الودادية، وهو ما حمل المرحوم عبد الكريم سويسي، رئيس الودادية، على الكتابة للعقيد يحياوي يتهمني بأنني “شنطجته”، فما كان من المرحوم يحياوي غير أنه طلب من مصالحه تحويل التهمة إليّ للدفاع عن نفسي، فكتبت تقريرا مضادا قلت فيه الحقيقة، وهي أنني رفضت أن أجري تحقيقا تحت مظلة الودادية حتى أعرف الحقيقة. فأمر العقيد يحياوي مدير الجريدة بشكري على ما فعلته.3- في جوان 1975 قام الدكتور عميمور بترتيب لقاء بين العقيد يحياوي والكاتب الصحفي المصري الشهير حسنين هيكل في أكاديمية شرشال، وحضر اللقاء الدكتور عميمور، وعندما عاد هيكل إلى الفندق سألته عن انطباعاته حول ما سمعه من العقيد يحياوي، فقال لي: إنه لا يشبه العسكر، إنه رجل مستنير ومثقف، إنه مثقف برتبة عقيد!4- عندما اعتلى الجنرال زروال الرئاسة، اتصل به يحياوي طالبا منه إنصاف اللواء بلوصيف لأنه ظلم من طرف الذين يكيدون للمجاهدين. ونقل بلوصيف إلى مصحة في سيدي فرج تمهيدا لإطلاق سراحه، ولكن خصومه أعادوه إلى السجن من دون إعلام زروال، فاتصل به محمد الصالح يحياوي ثانية وأعلمه بالأمر، فانتفض وأطلق سراحه.5- رفض العلاج في فرنسا وعالج في الأردن وكان يعاني من بقايا شظايا الرصاص في رجليه، خاصة في الشتاء حيث يزداد عليه الألم!6- عاش نظيفا ومات نظيفا، وكان دائما مرجعا للذين يريدون الخير للجزائر، كان يشبه بومدين في سلوكه السياسي وفي صرامته ونزاهته، يكره النفاق والخسة والشيتة والتزلف.. كنت أزوره في بيته عندما تسود الدنيا في وجهي، فأستأنس بأفكاره في تحليل الموقف.رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وألهمنا الصبر والسلوان[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات