لا شك أن تصرف الحكومة الجزائرية مع المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين له اعتبارات أمنية تتجاوز الانشغال الجزائري إلى الانشغال الأوروبي.وتحرك السلطات الجزائرية لترحيل هؤلاء، ليست دوافعه كلها جزائرية، فهي في أغلبها دوافع فرنسية بالأساس، ودوافع أوروبية بعد ذلك.. لأن فيضان إفريقيا جنوب الصحراء على الجزائر بمهاجريها غير الشرعيين هو مقدمة لفيضان الجزائر على أوروبا بمهاجريها غير الشرعيين. ويشكل الأفارقة الرقم الأكبر في الموضوع! والأمر لا يتعلق بالتخوفات الأمنية الجزائرية من هذه الهجرة غير الشرعية للأفارقة فقط، بل يتعلق بالتخوفات الأمنية الأوروبية ومنها الفرنسية على وجه التحديد للأسباب التالية:1 - فرنسا خاصة وأوروبا عموما، متورطة في حروب الشرق الأوسط والساحل إلى حد العداوة مع جزء من هذه الشعوب.. وقد تستخدم الهجرة غير الشرعية في تسلل العناصر التي ترى فيها فرنسا أنها تشكل خطرا على الأمن العام الفرنسي بصورة جدية عبر هذه الهجرة.2 - في المدة الأخيرة تحدث الوزير الأول الجزائري عما أسماه بالخطر الأمني الذي يهدد الجنوب.. ووصل هذا الخطر (حسبه) إلى درجة تعطيل مشاريع السياحة في هذه المنطقة، حتى لا تنجر ويفرغها الإرهاب من السياح!التبرير جزائري ولكن الفكرة فرنسية والمطلب أيضا فرنسي! وهذا أيضا يتناغم مع ما أشار إليه الوزير الأول الجزائري من أن العلاقات الجزائرية الفرنسية قد عرفت تناغما لافتا منذ 2012.3 - الأفارقة غير الشرعيين اجتاحوا الجزائر في السنوات الأخيرة، ليس بسبب الحروب في جنوب الصحراء، بل لأن الحكومة الجزائرية قد تساهلت مع هؤلاء المهاجرين في التنقل من الصحراء إلى الشمال ثم إلى أوروبا “كحراڤة”، وقد جرت عملية التساهل مع انتقال المهاجرين الأفارقة من الجنوب إلى الشمال الجزائري.. حيث قامت السلطات الإدارية بالسماح للمهاجرين غير الشرعيين بركوب وسائل النقل الجماعي من الجنوب إلى الشمال، وهو إجراء، سرعان ما تراجعت عنه السلطات الإدارية بالجنوب، بعد أن اجتاحت أعداد هائلة من المهاجرين الأفارقة مناطق عديدة من المدن الكبرى في الشمال.4 - لكن الشيء الذي يبقى غامضا في هذه المسألة هو احتجاج حكومة مالي على الحكومة الجزائرية بهذه الطريقة، والحكومة المالية التي تعيش “العسل” مع الحكومة الفرنسية، تعرف بأن الإجراء الجزائري هو إجراء فرنسي أكثر منه جزائري من الناحية الأمنية.. نعم الدواعش الذين يتسربون من الشرق الأوسط إلى إفريقيا يهددون الأمن في الجزائر... لكن يهددون أمن فرنسا المتورطة في حروب الشرق الأوسط أكثر مما يهددون أمن الجزائر! والجزائر عوض أن تواجه مخرجات ما يحدث في الساحل فوق أراضيها، رأت أن تحاصر ذلك في حدود دول الساحل.. وهنا التقت المصلحة الفرنسية مع المصلحة الجزائرية في المجال الأمني، وعلى الأشقاء في مالي تفهم ذلك.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات