هل أصبح المسجد في الجزائر أداة من أدوات البطش السياسي على صعيد الأمن المعنوي للأمة؟! فالاستعمالات الرديئة للمسجد في السنوات الأخيرة تدل على أن هذه المؤسسة الدينية الحيوية للأمة لم تعد عامل توازن نفسي للأمة بل أصبحت عامل توتر.1- في الماضي، قالوا إن المسجد هو مصدر الإرهاب وهو سبب بلاوي البلاد ولا بد من بولسته لتجفيف منابع هذا الأرهاب، ثم “برڤرطته” ليسهل التحكم فيه وفي نشاطه ومخرجاته الروحية والمادية. وكان ذلك أمرا مقبولا أمام الخطر الذي كان يهدد الأمة، لكن الذي حصل أن الأمر لم يقف عند عتبة نزع ألغام الإرهاب من المساجد، بل تعداه إلى توظيفه سياسيا لخدمة الفساد وسوء التسيير، وقمعت بالمسجد كل الأفكار “الهدامة” مثل الديمقراطية والحرية والشرعية والانتخابات الحرة ومراقبة أداء السلطة وصرف المال العام.2- الآن.. دخلت السلطة في مرحلة جديدة في استخدام المسجد، فأصبحت تنظر للمسجد ليس كمؤسسة دينية للأمة بل كأداة من أدوات الحكم، تمارس السلطة بالمساجد “العنف” والإكراه المعنوي والديني لفائدتها، وهذا محاكاة للنموذج السعودي في الحكم، حيث استغنت السلطة عن الأحزاب والتنظيمات الاجتماعية واعتمدت فقط في تنظيم الشعب على مختلف مصالح الأمن والإدارة والمساجد، فباتت الزوايا والمساجد من المؤسسات الحزبية السياسية القوية في يد السلطة تمرر بها ما تشاء!3- لهذا أصبحنا نرى وزير الشؤون الدينية لا يرى حرجا في القول بأن الرئيس أصدر مرسوما يأمر فيه المساجد بأداء صلاة الغائب على شهداء كارثة بوفاريك، والوزير نفسه يزيد من عنده في الأمر، فيقول للأئمة والمصلين “عزوا الرئيس في الحادث”! دون أن يحس الوزير ببؤس مايقول، لأن المنطق هو أن الرئيس هو الذي يعزي الشعب على ما حدث وليس العكس! هل يعقل أن الرئيس يقول للوزير قل للمصلين يعزوني؟!4- مثل هذه الممارسات من شبه السلطة التي تتحكم في المساجد يجعلنا نترحم على العهد الذي كانت فيه المساجد تدعو من على المنابر لحياة السلطان وفيضان النيل! وتساهم فيه المساجد بتطوير الفلاحة المسقية عن طريق صلاة الاستسقاء! وتساهم في نظافة المدن عن طريق حملات المساجد تحت عنوان “النظافة من الإيمان”! وتحسين النظام الصحي الوطني عن طريق “الحجامة” والرقية! وتساهم في تطوير جمع الضرائب عن طريق صندوق الزكاة، وتطور المساجد البحث العلمي والتعليم عن طريق البحوث في “علم الضمياطي”!5- المساجد أصبحت تكفّر كل من لم ينتخب بتوجيهات من السلطة وتعطل مفعول الآية “وأمرهم شورى”، فالسلطة فعلت بالأئمة ما فعلت حتى أصبح البعض يعتقد أن الصلاة وراءهم باطلة؟! لفساد النية لدى الشعب! ولعل الفساد الذي يتعرض له المسجد من طرف السلطة ورجال السلطة يتجاوز في خطورته فساد الاقتصاد وفساد التعليم وفساد الزراعة وفساد المؤسسات الدستورية للدولة، لأن الأمر هنا يتعلق بالأمن المعنوي للشعب ولعل مظاهر العنف التي نشاهدها في بلادنا سببها هو هذا الخلل الخطير في مؤسسة المسجد! والمصيبة أن الوزير يريد إقحام المسجد أيضا في مدرجات ملاعب كرة القدم لمحاربة العنف.. إنه البؤس بعينه!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات