سلوك السلطة الجزائرية مع رواد منصات التواصل الاجتماعي يشبه سلوكها مع الصحافة الخاصة والمستقلة في بداية التسعينيات من القرن الماضي... فالسلطة الجزائرية تحس بصداع سياسي كبير من محتوى ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي حول سلوكها في الحكم، ومثلما استخدمت السلطة جهاز العدالة لقمع الصحافة المستقلة في التسعينيات ها هي نفس السلطة تستخدم العدالة أيضا لقمع رواد التواصل الاجتماعي!في بداية التسعينيات كانت القضايا التي ترفعها السلطة ضد الصحافيين والصحافة المستقلة تعد بالمئات في الصحيفة الواحدة.. حتى أن مديري الجرائد المستقلة سكنوا في أروقة المحاكم. واليوم أيضا ترفع السلطة وحواشيها الفاسدة عشرات القضايا في الولاية الواحدة ضد المدون الواحد.! وتعد هذه القضايا الآن أهم الموضوعات التي تشغل العدالة وتؤشر على أدائها لكثرة الملفات في هذا المجال.ومن هنا نتساءل: لماذا لا تضيق السلطة في الدول الغربية على رواد التواصل الاجتماعي مثلما هو الحال في الجزائر؟! هل لأن مستوى وعي رواد منصات التواصل الاجتماعي في الدول الغربية أعلى منه في الجزائر أم أن مستوى التسلط في الجزائر وسلوك قمع الحريات هو العالي في بلادنا؟! أم أن نسبة الفساد في الدول الغربية ناقصة مقارنة بما هو جار في الجزائر؟! ولماذا يهتم المدونون في الجزائر بمسلكية السلطة أكثر مما يهتمون بمسائل أخرى؟لماذا تتحرك العدالة عندنا ضد المدونين في القضايا بالآلاف ولا تتحرك العدالة نفسها في قضية واحدة من قضايا الفساد التي يثيرها هؤلاء المدونون على منصات التواصل الاجتماعي... هل كل ما يذكره هؤلاء في الإعلام الاجتماعي لا توجد فيه قضية واحدة صحيحة تستحق من العدالة أن تعالجها؟!الأمر واضح، وهو أن السلطة تستخدم العدالة استخداما سيئا ضد الحريات العامة والخاصة بطريقة تثير فعلا القلق؟! وما أروعها من صدفة أن كل القضايا المرفوعة ضد المدونين من طرف السلطة تحكم فيها العدالة لصالح السلطة تماما مثلما تحكم العدالة نفسها لصالح الوزارات ضد إضرابات النقابات!السلطة استخدمت العدالة ضد الصحافة في التسعينيات واستخدمت “عدالة الليل” أيضا ضد الأحزاب، وهي اليوم تستخدم العدالة ضد رواد الأنترنت، وتعتقد السلطة أن قوة القمع بهذه الطريقة البائسة تقوي النظام، والحقيقة أن مثل هذه الممارسات تضعف الدولة من خلال إضعاف الصحافة وإضعاف الأحزاب وإضعاف العدالة وتعطي صورة بائسة عن السلطة في طريقة إدارتها للبلاد. والمصيبة أنه... لا السلطة حاسة بهذا البؤس ولا الصحافة والأحزاب والعدالة حاسة بالأمر.! ووضع القضاة والسلطة تستخدمهم لقمع الحريات يشبه وضع رؤساء الأحزاب المدجنة ووضع وسائل الإعلام المسرطنة بالسلطة البائسة.. الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي والمعارضة الجادة هي في الواقع سلطة مضادة تساعد السلطة على محاصرة الفساد وتحسين الحوكمة لو كانوا يدركون معنى الدولة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات