ها قد بدأ التعفن الاجتماعي يتجه بخطى حثيثة نحو التعفن السياسي.. وتتحول المطالب الاجتماعية لعديد الفئات المحتجة إلى قضايا سياسية بفعل سوء تسيير السلطة لهذه الاحتجاجات، والتعامل معها بسياسة الكل أمني، وليس المعالجة الاجتماعية الإدارية التنظيمية السياسية الجدية.بات واضحا أن هراوة السلطة يبقى مفعولها محدودا في حماية الأمن والاستقرار في البلاد، وأن الأمن مهما بلغ من القوة والمهنية لن يحل محل الكفاءة والجدية في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة على البلاد... لا يمكن لأي أمن مهما كانت قوته أن يحمي إلى الأبد سوء التسيير، ويقمع إلى الأبد أصحاب الحقوق، سواء كانت اجتماعية أو سياسية.. الأمن في النهاية هو صورة أخرى لرجل المطافئ... مهمته هي إطفاء الحرائق السياسية والاجتماعية بخراطيم المياه والهراوات إلى حين تدخل الجهات المعنية بالحريق لمنع اشتعاله من جديد.. ولا يمكن للأمن أن يمنع هذا الاشتعال إذا كانت أسبابه قائمة ودائمة.خطأ السلطة القاتل هو أنها ضربت الحياة النقابية وتنظيمات المجتمع المدني بصورة جعلت الحركة النقابية ضائعة بين نقابة حكومية لا تمثل العمال، ونقابة أو نقابات مستقلة تمثل العمال، ولكنها لا تتعامل معها الحكومة بالصورة المطلوبة لجعلها نقابات منظمة وفاعلة في تنظيم وتأطير الحركة العمالية... ولهذا تواجه الحكومة مثلا في قطاعي التربية والصحة مشاكل جدية في تسيير القطاعين، تتعلق بسوء التسيير الواضح، وتتعلق أيضا بما يمكن أن نسميه أيضا فوضى الاحتجاجات على سوء التسيير هذا. نفس الظاهرة حصلت في المجال السياسي، حيث عمدت السلطة إلى تفتيت الأحزاب إلى حزيبات معارضة للمعارضة للسلطة، وأنجزت (تصحيحيات) أمنية في أحزاب السلطة أدت إلى إفسادات خطيرة على مستوى تولي القيادة في هذه الأحزاب، والنتيجة أن البلاد أصبحت بلا تنظيمات سياسية يمكن أن تؤطر الشعب وتنظمه في حركات سياسية مقبولة في التنظيم والأداء.. ولهذا لاحظنا أنه حتى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لا يتم من طرف الأحزاب السلطوية، بل يتم من طرف شذاذ الآفاق السياسية مثل التنسيقيات الطليبية والسعدانية وغيرها... والنتيجة الثانية، أن البلاد أصبحت في فوضى اجتماعية وسياسية تتطلب إعادة البناء التأسيسي من أساسه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات