الراحل المجاهد بن عودة هو رقم 21 من مجموعة الـ22 الذين رحلوا عنا حتى الآن، ولم يبق من هذه المجموعة التاريخية الخالدة سوى العمودي أطال الله عمره.سي عمار بن عودة أكلت من يده علقة مؤلمة ذات صيف من عام 1957، وكان عمري 9 سنوات، عندما حاولت أن ألعب بمسدسه في مركز المجاهدين، حيث وضع سلاحه جانبا وراح يغتسل بين جنوده في “ماجوار باسان” وكان الجو حرا... كان المسدس من النوع الذي يستخدم في طلب النجدة ويستخدمه القادة في المعارك... غنمه المرحوم في معركة وهو في طريقه من تونس إلى مقر الولاية الثانية بشبه جزيرة القل. عرفت ذلك منه عندما قابلته كصحفي في نهاية السبعينات.كان جيش عمار بن عودة عندما يمر بالدوار يخلق أزمة للسكان لكثرة عدده، سواء من حيث توفير الأكل في المركز أو ترك “الجرة” في الأرض بأحذية “الباطوغاز” التي كان الجيش يلبسها... ويضطر السكان لمحو آثار “الجرة” من على الأرض باستعمال أغصان شجر “الضرو” حتى لا يكتشفها العسكر عندما يقوم بعمليات التمشيط للدوار بصورة مفاجئة. وكثيرا ما كان الأطفال يشاركون أيضا في إنجاز هذه العملية...!ذات يوم سألت العقيد بن عودة عن مشاركته في منظمة “لوس”، وعما يقال عنه أنه كان عنيفا مع زملائه.. وأن عنفه تسبب في كشف المنظمة الخاصة “لوس”، فقال لي رحمه الله.. “أنا لم أتصرف من عندي في عملية تأديب عضو “لوس” في تبسة بالضرب، فالنظام هو الذي أمرني بذلك، والمعني كان يتحدث عن التنظيم بصورة تهددنا بالكشف للعدو، ولذلك أمرت بتأديبه وفعلت وفق ما أمرت به، ولم أكن أتصور أن التأديب يمكن أن يؤدي إلى أن المعني ينهار إيمانه بالنظام ويفعل ما فعل..! ذلك لأن التدريب كان عاليا ولا يسمح بمثل هذه الأمور”.ومن بين الأشياء الطريفة التي حدثني عنها بن عودة، رحلته بالقطار مع اثنين من زملائه المشاركين في اجتماع من قسنطينة إلى الجزائر... فقال لي إنهم “حرڤوا في القطار”، أي أنهم لم يدفعوا التذاكر! وعندما وصلوا إلى إحدى المحطات أحسوا بالجوع، وصعد إلى القطار بائع الساندويتشات، فأخذوا منه ثلاثة ساندويتشات ولم يكن معهم الثمن الكافي، فغالطوا البائع ودفعوا له ثمن ساندويتش واحد وأخذوا اثنين بلا ثمن! وعندما تعجبت مما قال.. إذن كيف لشباب يريد تحرير الجزائر من قوة غاشمة كفرنسا لا يملك ثمن تذكرة قطار أو ثمن ساندويتش؟!فقال لي “هذا هو الواقع، فالأمر يتعلق بالتمرد وليس بالرغبة في عدم الدفع وحدها”!وقال لي أيضا إنه عندما وصل إلى مقر الاجتماع في المدنية، كان كثير الحركة خلف وحول الدار تحسبا لخطر الاكتشاف.. وقد قال له المرحوم بن بوالعيد عندما رآه يتحرك كثيرا: “حركاتك هي التي قد تضعنا في خطر”!كان، رحمه الله، مثل علي كافي وعلي منجلي، لا يرتاح لبن بلة، رحمه الله...! وكان رحمه الله كثيرا ما يطلب رأيي إعلاميا، فيما ينشر من مواقف تخص الحياة السياسية، وآخرها قبل سنة تقريبا، بعث لي برسالة فيها موقف من الأحداث... لأنشرها في العمود... وعندما أبديت له رأيي فيها... عاد وطلب مني عدم نشرها ولم تنشر..! رحمه الله، كان ثائرا فحلا حتى في مواقفه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات