الطريقة التي سعى بها أويحيى نحو العاهل المغربي والرئيس الفرنسي ماكرون ليست من الأخطاء الدبلوماسية لأويحيى، بل هي فعل مقصود مع سبق الإصرار والترصد... الغرض منه محو آثار تصريحات مساهل الأخيرة الخاصة بتجارة المغرب في المخدرات! الحركة تكشف عن عدة أشياء.1- هي إجابة عن حركة المغرب بعودة السفير المغربي إلى الجزائر دون شروط ودون أي حركة من الجزائر نحو المغرب لرأب الصدع الذي أحدثته تصريحات مساهل في العلاقات الثنائية المتصدعة أصلا.2- واضح أن الحكومة الجزائرية لم تكن في (مجملها) موافقة على تصريحات مساهل ضد المغرب.. ولكن لا تستطيع إعلان ذلك حتى لا تمس بالانسجام الحكومي بين الوزراء في علاقاتهم بالسياسة الدولية.. وواضح أن أويحيى كان من أكبر الناس تحفظا على تصريحات مساهل، ولكن لم يعلن ذلك صراحة، حفاظا على الانسجام بين السياسة الداخلية والخارجية للجزائر، ولهذا السبب اختاره بوتفليقة ليمثل الجزائر في هذه القمة ولم يختر غيره، وهذه كانت أيضا حركة مشجعة لأويحيى لأن يتصرف مع العاهل المغربي ذلك التصرف الذي يرأب الصدع في العلاقات، ولم يكن من الممكن لأي كان أن يقوم بمثل ما قام به أويحيى في أبيدجان!3- الحركة التي قام بها أويحيى في أبيدجان تدل على أن الجزائر والمغرب، حكوميا وسلطويا، يمكن أن تفرقهما العروبة والأمازيغية والمصالح المشتركة.. ولكن توحدهما دائما الفرانكفونية! فلا أحد من البلدين بإمكانه أن يخرج عن طوع باريس، عندما يتعلق الأمر بالتنافس على حب باريس بين الجزائر والمغرب!4- الحركة أيضا أبانت عن أن هناك خلافا في قمة هرم السلطة في الجزائر حول مسألة العلاقات مع المغرب تحت المظلة الفرنسية، وأن الخلاف بين المغرب والجزائر ليس من المحبب أن يذهب إلى حد القطيعة حتى ولو كانت تصريحات مساهل قاسية، وردة فعل المغرب عليها أشد قساوة. لهذا رفضت الجزائر موقف المغرب المتشنج من الأزمة ودعت إلى ضبط النفس، معتبرة أن الأمر يتعلق بموقف وزير وليس بموقف الحكومة الجزائرية.. واحتاج المغرب إلى وقت كي يفهم ذلك.. وفي هذا الوقت، استطاع المغرب أن ينفّس عن نفسه إعلاميا وسياسيا بما يجعله يحضر قمة أبيدجان بعاهله، إلى جانب رئيس البوليساريو، دون أن يحس بالحرج، وفي هذه الأزمة وجد الجميع نفسه... المغرب وجد نفسه في تصرفه بتشنج من الأزمة.. والجزائر وجدت نفسها بالتزام الصمت واعتبار الأمر خطأ وزير وليس خطأ سياسة حكومة.. والبوليساريو وجد نفسه من خلال استغلال الأزمة للإبقاء على حالة الجمود بين الجزائر والمغرب.. وفرنسا وجدت نفسها من خلال إيجاد ماكرون موضوعا للوساطة بين البلدين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات