ما قاله بلعيد عبد السلام، بخصوص أحداث 5 أكتوبر، بأن الرئيس الراحل الشاذلي قال إن “الأحداث قام بها أناس في النظام تغلغلوا في دواليب الحكم وقاموا بتنظيم أحداث 5 أكتوبر للإطاحة بالأفالان المتحجرة وفتح الباب أمام الإصلاحات السياسية والاقتصادية”... هذا الكلام صحيح وتؤكده الوقائع التي سبقت وتلت أحداث أكتوبر، واليكم بعض هذه الوقائع:أولا: في خضم التحضير للمؤتمر السادس للأفالان، كان الاتجاه إلى فصل أمانة الحزب عن رئاسة الجمهورية... وكان الاتجاه أيضا (على مستوى القواعد الحزبية) إلى الانتقال من حالة اقتراح رئيس الجمهورية من المؤسسة العسكرية إلى اقتراحه من المدنيين، أي من جبهة التحرير. في هذه الفترة استثمر التيار الإسلامي في الأفالان وأصبحت لها شعبية إسلامية وذاع ذكر الثالوث النافذ في الحزب والدولة: مساعدية وطالب الإبراهيمي وعبد الحميد براهيمي!ولكن التيار الإسلامي المتطرف شوّش على التغلغل الإسلامي داخل الأفالان بأحداث بويعلي في نواحي الأربعاء، وأخاف الشاذلي والتيار اليساري (الباكس) خاصة وأن الأفالان والإسلاميين أفشلوا عدة عمليات سياسية كإثراء الميثاق والدستور والإصلاحات الاقتصادية وإعادة الهيكلة! وبات الرئيس الشاذلي ضعيفا بسبب تصرفات أبنائه وعائلته في المال العام، فكثرت الإشاعات حوله وحول عائلته، وبات واضحا أنه يمكن أن لا يسمح له بعهدة ثالثة. وتكون فرنسا قد علمت بالأمر وهي التي حذرت الشاذلي عبر صديقه ميتران.ثانيا: أسجل هنا شهادة قالها لي الراحل لكحل عياط بخصوص أحداث أكتوبر... فقد قال لي إن جهاز المخابرات كان على علم بما يرتب... وأن الشاذلي بن جديد قد طلب منه بأن يعد له تقريرا حول إمكانية القيام بمظاهرات ضد تحجر الحزب لفتح المجال للإصلاحات... وأن ذلك تم في شهر فيفري 1988، وأنه أعد التقرير ونقله للرئيس، ولكنه لم يكن في مكتبه كالعادة أثناء اللقاء به كل أربعاء، فسلم عياط التقرير للعربي بلخير.. وقد يكون التقرير لم يصل إلى الرئيس أو وصله ولم يأخذ به... والتقرير الذي أعدته المخابرات يحذر من عدم التحكم في أي مظاهرات بسبب التوتر الموجود في المجتمع بسبب الإشاعات وأخبار الفساد والتجاوزات. أتذكر أن عياط قال لي: لا تذكر أنك أطلعت على محتوى تقرير المخابرات المسلم للرئاسة في شهر أفريل... قال لي هذا الكلام وهو يتجول بي في شوارع العاصمة بسيارته “الغولف” البيضاء... مشغلا المذياع. وقال لي قد يقتلونك لو “خلطت” في هذا الموضوع!وقال لي أيضا إنه علم بأن اجتماعا ثلاثيا قد عقد في صائفة 1988 بين “الكاجبي” و«الزداك” وعناصر من “الباكس” الهاربة في الخارج... والاجتماع عقد في بودابست... وأنه اتفق على أن تجرب تجربة البيرسترويكا للرئيس غورباتشوف في الدول التي تسير في محور الاتحاد السوفياتي... ومنها رومانيا ويوغسلافيا والجزائر. ولهذا قامت مصالح المخابرات باعتقال جل تيارات “الباكس” أربعة أيام قبل أحداث 5 أكتوبر.. ولكن الجهات التي نظمت أكتوبر أخرجت شبابا حتى من السجن ونظمت بهم المظاهرات! والمظاهرات بدأت بـ«مساعدية سراق المالية”، وانتهت بـ«الشاذلي قتال”، عندما فلتت الأمور.ثالثا: الشاذلي نفسه قال في 19 مارس 1988 أمام الأمانة الدائمة للأفالان: “على الشعب أن يتظاهر ضد الغلاء كما فعل الشعب المصري”... وهذا معناه أنه كان على علم بما يحضّر.. إضافة إلى ذلك، فقد عالج نتائج أحداث أكتوبر بما يخدم الذين نظموها... اعتبار الضحايا شهداء، تم تعويضهم وإصدار عفو عام عن المعتقلين وتسريع الإصلاحات خارج الأطر المؤسساتية للدولة، وتوجيه السياسة كلها نحو انتخابه لعهدة ثالثة، وقال الشاذلي مزهوا بإصلاحاته: الاتحاد السوفياتي ينظّر للبيرسترويكا ونحن نطبقها عمليا؟! هناك معلومات تخص ما حدث لو يعرفها الرأي العام لتبدلت كل المعطيات؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات