خطورة ما بثته التلفزة من مشاهد مرعبة تخص عشرية الدم، لا تكمن في الخرق لقانون المصالحة الوطنية وفتح جراح الجزائريين من جديد.. بل الخطورة تكمن في أن الصراع على السلطة والمال في سرايا الحكم قد وصل إلى حدوده القصوى.أولا: يجب أن يعرف الرأي العام بأن من قام بإعداد هذا الشريط، الذي بث بأمر سلطوي مسؤول أو غير مسؤول، هو عضو سلطة الضبط للسمعي البصري ومدير أخبار سابق في التلفزة، وهذا له دلالته في القراءة السياسية لاستعمال التلفزة العمومية في الصراع السياسي، واستخدام السمعي البصري الخاص كـ«رولي” إعلامي في هذا الصراع! واستعمال المجازر كقوة ضغط على من يراد الضغط عليهم لأجل السكوت عما يحدث في البلاد.ثانيا: لاحظوا أن الأمر لا يتعلق بنشر هذه الصور المرعبة لتهديد الإسلاميين والشعب الجزائري، كما حاول السذج إعلاميا وسياسيا تبيان ذلك، لأن الإسلاميين ليسوا هم من طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور، وهم أيضا في حالة من الضعف لا يمكن معها أن يتم الرد عليهم بمثل هذه الصور المرعبة! فالرد إذن يخص من بيده القوة لتطبيق المادة 102، وقد انبرى للرد عليه قبل التلفزة أولئك الذين بيدهم دستوريا تطبيق هذه المادة، وهم رؤساء مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني! وقد جرى تحركهم بمهماز ضد من تحركوا ضده في خطبهم عند افتتاح الدورة التشريعية، وبمفردات ذكرت على لسانهم وفي خطبهم كما أنزلت ممن أعطاهم الأمر لقولها لمن يراد تبليغ الرسالة له!ثالثا: لا يحتاج المتابع للأحداث إلى كبير عناء، لمعرفة من يتصارع مع من؟! على السلطة والمال في أفق أو قبل 2019، ففي سنة 2015 جرت معركة بين المعنيين داخل المؤسسة العسكرية انتهت بشل يد (D.R.S) داخل المؤسسة المدنية، فأصبح “الدياراسيون” لا يمرون إلى العدالة مباشرة، بل لابد لهم من الذهاب إلى العدالة عبر المؤسسات المدنية المخولة قانونا، مثل الشرطة أو الدرك! لكن الجهاز بقي يشتغل بكفاءة عالية، وما حصل هو أن المؤسسة العسكرية أصبحت قوية أكثر من السابق، لاحتكارها المعلومات التي يوفرها جهاز الـ(DRS)، والمؤسسة المدنية أصبحت ضعيفة، لأن المعلومات لم تعد تصل إلى الرئاسة والحكومة مثلما كان من قبل، أي أن العسكريين أصبحوا يرون كما يجب ما يفعله المدنيون في تسيير البلد، في حين لا يرى المدنيون أي شيء مما يفعله العسكريون... لهذا أصبح الرئيس لا يرأس اجتماعات قادة الجيش، وجمّدت حتى الترقيات في الرتب العليا في السنوات الأخيرة! ففي بداية العهدة الرابعة كان الفريق ڤايد صالح هو عين الرئيس في المؤسسة العسكرية.. لكن اليوم أصبح الرئيس هو واجهة المؤسسة العسكرية لدى المدنيين.. وانتقل التخلاط من التخلاط داخل الجيش في أزمة (D.R.S)، إلى التخلاط داخل الحكومة، والدليل على ذلك أزمة حكومة سلال في نهاية عهده وحكومة تبون، واضطرابات في تعيين الوزراء! والارتباك في توزيع أعباء الأزمة الاقتصادية على القطاعات وما أثارته من مناوشات.رابعا: واضح إذن أن بث الشريط بأمر ممن أمر ببثه، لا يستهدف تخويف الشعب أو تخويف الإسلاميين الخائفين أصلا، بل الهدف هو أن من بث الشريط يريد تخويف من يجب تخويفه، بالقول إن الأزمة الاقتصادية لا ينبغي لها أن تعالج على حساب الرئيس بوتفليقة، كما عولجت الأزمة الانتخابية سنة 1992 على حساب الرئيس الشاذلي، وأدت إلى ما أدت إليه من صور مرعبة!بث الصور بالفعل هو فصل جديد بين المتخاصمين، فلم يعد أحدهما يقبل بأن يكون واجهة للآخر.بالأمس كان الصراع في الخارج وفي أروقة المحاكم والمؤسسات الدولية... ولكن اليوم أصبح في الداخل.. أصبح الصراع بالشعب وعلى كسب ود الشعب، وتلك مصيبة أخرى تواجه الجزائر الحبيبة مع هذا النظام؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات