جميل أن تزهو شوارعنا وأحياؤنا بفرحة النجاح في البكالوريا، وجميل جدا أن تقطع سكون الليالي زغاريد الأمهات والأخوات لساعات متقدمة من الليل، لكن عندما يأخذ شكل الفرح طابع “الفوضوية” والفنتازية الزائدة عن اللزوم يصبح الحدث برمته تحت عنوان “فرحة بناقص منها”!البكالوريا تحولت عندنا إلى امتداد لموسم رياضي خالص بعد أن اقترن خبر النجاح بإطلاق العنان لجنون القيادة المتهورة في الطرقات وحرق مداخيل “الباروك” في ألعاب الفيميجان والسينيال إلى درجة ساد فيها الاعتقاد أن الولوج إلى مدرجات الجامعة بات بمثابة الصعود إلى أحد أقسام البطولة الوطنية المحترفة!الأكثر غرابة في كل هذا أن يصنع التلميذ نجاحه في امتحان العمر كما يسمى، فيجد أن من يرسم له خارطة طريق الفرح أصدقاء وأقارب وأولاد حومة لا علاقة لهم في العموم بالجامعة ويجهلونها كليا كمنبر للعلم وفضاء للمعرفة، بقدر ما يرسمون عنها في الغالب صورة مسيئة جدا لحاضنة النخبة الأولى في الجزائر ويختزلونها في مجرد سوق فوضوية تعرض خدمات “سمر التعليم العالي”، على المنحرفين، وعلى أصحاب مشاريع “أونساج” المحولة تحت الصمت الرسمي عن نشاطها الحقيقي!على ولد علي أن يتدخل لـ”تأميم” البكالوريا بعد أن باتت اختصاصا رياضيا أكثر منه تربويا وحتى أمنيا بالنظر إلى ترسانة الأمن والجندرمة التي استنجدت بها بن غبريت أيام حربها الدونكيشوتية ضد رواد الفضاء الأزرق! والهادي ولد علي هنا مجبر أمام تزايد جماهير البكالوريا على إلحاق هذا الامتحان بإحدى اتحاديات قطاعه بما فيها هيئة خير الدين زطشي!زمان لما كان التلميذ “يجيب” الباك كان يكفيه فخرا أن يرى ذلك الاعتزاز في نظرات والديه وأهله على قلة “الباروك” الذي يحصل عليه، مثلما كان يغنيه الاعتزاز بالنضج في دخول أقسام الجامعة عن أي احتفال ماجن كالذي يجري حاليا.. اليوم استمر النجاح لكن دون أن يكتفي الناجحون بالنتيجة فقط، ففي الغالب ما يعززها التلميذ الناجح بأخبار أخرى بعد منتصف الليل حول عدد الشجارات مع المارة في الطريق والشجارات مع النائمين بسلام في بيوتهم لفرط هذا “الهبل” الذي يسمى عبثا احتفالا! في انتظار أن تحمل له الجامعة في ما بعد صدمة أخرى وهو يكتشف فضاءها كمرتع حصري على التسكع و”البلطجة” خلف تناطح التنظيمات!عبد الرحمان شايبي / إعلامي بباتنةالاحتفاء ببكالوريا الغش لا يختلف عن الاحتفاء بالنجاح في انتخابات التزوير! الفرق هو أن عدد تلاميذ البكالوريا أكبر من عدد النواب.! البكالوريا بالنسبة للفقراء والغلابة هي نافذة أمل في المستقبل... لكن بالنسبة لـ”المرفهين” هي تفاخر في الجمع بين قوة المال وقوة العلم.العيب ليس في الاحتفاء بالنجاح... بل العيب هو أن يتحول الاحتفاء بالنجاح إلى تفاخر ومزايدة مقيتة تعلق الناس مثل أعراس الزواج الباذخ والختان.!حقا.. أن التعليم بدأ يتدحرج إلى الرداءة وقد يحدث له ما حدث للرياضة، حيث لم تعد رياضة بل أصبحت عنفا وعصبية ومظاهر سيئة. نتمنى أن لا تصبح البكالوريا مثل كأس الجزائر[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات