فرنسا دخلت في حرب مقدّسة ضد إرهابها المحلي، ولكن بأبعاد دولية.. ترى لماذا يحدث هذا في فرنسا بالتحديد؟ ولا يحدث مثله في ألمانيا أو بريطانيا؟ والجواب شبه واضح.أولا: سياسة فرنسا الداخلية لم تعد مثالا أوربيا في الحرية والمساواة والأخوة إزاء المواطنين الفرنسيين، سواء بسواء كما كانت من قبل. وعلى الصعيد الدولي لم تعد فرنسا قبلة للمظلومين في بلدانهم وملاذا لمن انتهكت حريتهم عبر بلدان العالم. فرنسا هي الآن عبارة عن أطلال للحرية على الصعيد الداخلي والدولي.. لم يعد في فرنسا أوكسجين الحرية كافيا ليتنفّسه شباب الجيل الثالث المنحدر من سلالة الهاربين إلى فرنسا من استقلال بلدانهم في المستعمرات الفرنسية القديمة، والذي حدث قبل 50 سنة وزيادة. ما يقوم به الشباب الفرنسي من أصول بلدان المستعمرات القديمة من إرهاب في فرنسا هو تعبير بالعنف عن عنف آخر يمارسه مواطنون فرنسيون ضد هؤلاء وضد أصولهم.. فلا يمكن أن نقول بأن فرنسا هي الآن تواجه الإرهاب العنيف بسبب إفراطها في إطلاق عنان الحرية، فما تم ضد الصحيفة المهاجمة يدل على أن كمية الحرية المتاحة في فرنسا قد نقصت، ولذلك بدأت الحرية القليلة تضرب الحرية في العمق، سواء بالأقلام أو بالأفلام أو حتى بالرصاص.ثانيا: فرنسا هي الآن تدفع ثمن انخراطها غير الواعي في السياسة الأمريكية الجديدة الخاصة بمكافحة الإرهاب في العالم.. فليس من الصدفة أن أمريكا بعد كارثة حرب بلاد الأفغان والعراق قد انسحبت تدريجيا من التواجد في هذه المناطق، في حين زجت بفرنسا في الحرب ضد الإرهاب في مالي وفي ليبيا وفي العراق وفي سوريا، وهو ما أضر بسمعة فرنسا في هذه المناطق. وفرنسا كانت منذ عهد ديغول وسياسته المعتدلة والمتفهمة لشعوب هذه المناطق فقدت بالسياسة الجديدة إشعاعها المطلوب دعمه، وليس التشويش عليه. فلماذا تقوم أمريكا بالانسحاب من العمل العسكري المباشر بهذه المناطق وتزج بفرنسا مكانها هناك؟ هل أدرك حكّام فرنسا خطورة ما يقومون به على أمن بلدهم وهم جيران هذه المناطق ولهم علاقات حيوية بهذه الشعوب؟ثالثا: ما حدث في باريس من هجوم قد يكون أخطر من هجوم 11 سبتمبر على مدينة نيويورك، لأن الهجوم ضد باريس تم بمواطنين فرنسيين في حين تم الهجوم على نيويورك بواسطة سعوديين ويمنيين ومصريين، لهذا فإن انتفاضة الشعب الفرنسي ضد هذا العمل الجبان من قِبل مواطنين فرنسيين انتفاضة مبررة. وقد يؤدي الأمر إلى إعادة النظر في كثير من الإجراءات الأمنية والسياسات المتّبعة داخليا وخارجيا في سياسة فرنسا حيال مواطنيها أولا، وحيال المناطق التي تعتبرها فرنسا مصدرا للإرهاب الذي يهدد أمن فرنسا. فعندما يقتل مواطنون فرنسيون من أصول غير فرنسية باسم الإرهاب مواطنين آخرين فرنسيين من أصول غير فرنسية ويرتدون زي الشرطة، فهذا يعني أن البلد دخل في أزمة معقّدة تتطلب البحث عن الحل[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات