ما يحدث في البلاد من اضطرابات اجتماعية هو نتيجة منطقية لتعطيل المؤسسات الدستورية للدولة عن العمل من طرف السلطة... فالأحزاب السياسية جمّدت بحجة المحافظة على الأمن العام؛ فمنعت الاجتماعات والمظاهرات.. أي جمّد النشاط السياسي كجزء من التعبير السياسي والتنفيس الاجتماعي... وحتى أحزاب السلطة تم تخريبها نظاميا من طرف السلطة لإضعافها، وبالتالي التحكم فيها حتى لا يتحوّل بعضها إلى معارضة للسلطة من الداخل.والمؤسسات الدستورية، مثل البرلمان والحكومة، تحولت إلى روضات أطفال وصالونات حلاقة سياسية. ومشاريع القوانين والقرارات المهمة في البلاد تعد خارج إطار الحكومة، وخارج إطار الوزراء وخارج إطار البرلمان، وتحولت هذه المؤسسات إلى هيئات تأييد ومساندة.النقابات هي الأخرى تحولت إلى مضحكة عمالية ترتع فيها المصالح الخاصة المرتبطة بدوائر الفساد في السلطة، وبعضها يهمّش تماما إذا لم يسِر في ركاب رياح الفساد والإفساد والرداءة.أمام هذا الوضع، لم يبق أمام الشعب سوى التعبير عن مكنوناته بمثل هذه المظاهر التي شاهدناها في عديد المدن الجزائرية... احتجاجات بلا رأس يحاور وبلا مطالب محددة..! والمصيبة أن السلطة تحاور هؤلاء بالهراوات الشرطية.. أي أن السلطة أصبحت تعالج مسائل اجتماعية سياسية حيوية بـ”القزول”، مادامت المؤسسات السياسية والدستورية والنقابية معطلة. وقد يأتي على السلطة حين من الدهر لن تجد مع من تتحدث إذا تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه... إضعاف الحياة السياسية والنقابية هو في النهاية إضعاف للسلطة نفسها، من خلال إضعاف حق الشعب في أن ينظم نفسه في أطر تعبّر عنه وعن تطلعاته بكل صدق وشفافية.واضح أن السلطة تراهن على تصحير الحياة السياسية والنقابية تنظيميا، وتعتبر ذلك قوة لها في التحكم في الوضع... لكن الواقع خلاف ذلك تماما... ويخطئ من يعتقد أنه بإمكانه أن يتحكم في الشعب دون السماح له بأن ينظم نفسه... فالشعب مثل الماء والنار إذا أطرتهما في قنوات تصنع بها الحياة، وإذا خرجا عن التحكم أحرق الحياة وجرفها.المؤسف حقا أن ما يحدث في البلاد تم تجاهله بصورة شبه تامة من طرف وسائل الإعلام الحكومية والخاصة شبه الحكومية، وكأن الأمر لا يعنيها إعلاميا.. وتركت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الأجنبية تكتسب مساحات واسعة من المصداقية على حساب الإعلام الوطني... إنه بله إعلامي آخر يواجه البلاد[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات