الكتاب الإلكتروني يغزو القارئ والورقي يقاوم

38serv

+ -

يشهد عالم المقروئية والمطالعة خلال بداية العقد الثاني من القرن الـ21 انفجارا واسعا وكبيرا بمختلف دول العالم عموما والجزائر على وجه التحديد، نتيجة الأعداد الكبيرة من العناوين والمنشورات المتوفرة على الساحة، سواء الورقية منها أو الإلكترونية بمختلف صيغ تواجدها منها التحميل الإلكتروني، فضلا عن القراءة المباشرة من مختلف المواقع الإلكترونية من جهة والكتب والمجلات والمنشورات الورقية من جهة ثانية. احتار القارئ الجزائري أمام التنوع والاختلاف المتباين في أصناف وأشكال المواد المتاحة للمطالعة، بين الإلكتروني والورقي، النوع الذي يتبعه تبعا لطبيعة المواد التي يرغب في الاستزادة المعرفية منها، وكذا الميول والاختلافات السيكولوجية لكل فرد من أفراد المجتمع. وبحثا عن أسباب التوجه إلى نوع دون آخر وتفضيل هذا عن ذاك، توجهت ”الخبر” إلى مجموعة من الشرائح المحتكة بشكل كبير بالكتاب، لتسبر آراءهم عن النوع الذي يفضلونه، وكذا الأسباب الكامنة وراء اختيار كل نوع.طلاب وكتّاب يعشقون الورقي ولكن..يرى الكاتب والصحفي العمري مقلاتي أن الكتاب الورقي لا يمكن تعويضه بالكتاب الإلكتروني والأقراص المضغوطة بتاتا، لما يميزه ويتيحه للقارئ من خصائص لا يوفرها الكتاب الإلكتروني، أهمها العلاقة الحميمية التي تربط الكاتب بالكتاب الورقي عبر مختلف الأطوار الحياتية للإنسان، إلا أنه يقر بصعوبة صمود الكتاب الورقي أمام الكم الهائل من التكنولوجيا الرقمية، كما وقف موقف الدفاع عن الورقي بقوله ”الحفاظ على خير جليس في الأنام يتطلب مراجعة التوجهات والأفكار لإعادة الاعتبار ورد القيمة الحقيقية له”.يمزج ”عبد الحق. ر” المتخرج حديثا من جامعة باتنة 1، من جهته، بين الكتب الورقية والإلكترونية، فميله في العادة لتصفح الكتب الأجنبية يضطره لاستعمال الإلكتروني نتيجة عدم توفرها ورقيا، بينما يرجع ميله للكتاب الورقي إلى حكم العادة بالدرجة الأولى والراحة النفسية أثناء تصفح أوراقه، بالإضافة إلى السهولة والمرونة التي يجدها أثناء القراءة وتجنب الإضاءة الإلكترونية المتعبة للعينين. وعلى العكس، تفضل الطالبة هلال ابتسام سنة أولى ماستر من ”جامعة باتنة 1”، قراءة الكتاب الإلكتروني مقارنة بالكتاب الورقي، كونها تستخدم الأنترنت بشكل يومي، وتقول إن اللجوء إلى الشبكة العنكبوتية أفضل من المكتبة الورقية، فالأولى تزخر بكمّ معلوماتي هائل، فضلا عن تصفحها السهل والمختصر، لاسيما أن هذه القرية المعلوماتية تحتوي على بعض المراجع النادرة وحديثة الطبع التي قد لا نجدها في المكتبات العادية، إضافة إلى أنها مجانا ودون مقابل مادي مقارنة بالورقية.النشر الإلكتروني والخلفية التاريخية لارتباطه بالإعلامعبّر الأستاذ ”طارق. ع” من جامعة وهران عن الحالة التي تعيشها المقروئية الورقية والإلكترونية من خلال عبارة ”انحسار ثقافة المكتوب وسيادة الرقمية”، مستندا في ذلك على مجموعة من المقومات التي شهدها التطور التاريخي للصحافة الورقية، وبعدها الإلكترونية، ليتم نقل هذه المراحل من الصحافة إلى الكتاب بصفة عامة، وهي مذكورة في مؤلفات الباحث برنار مياج، انطلاقا من التحليل التاريخي لتطور الفضاء العمومي في المجتمعات الغربية إلى نماذج أربعة يتعلق الأول بنموذج صحافة الرأي منذ القرن الثامن عشر، ليليه النموذج الثاني الموسوم بالصحافة الجماهيرية التجارية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبعدها نموذج الإعلام المرئي الجماهيري وخاصة التلفزيون العام منذ القرن العشرين، ثم نموذج العلاقات العامة كمرحلة تحيل على التأثير المتعاظم لاستراتيجيات الاتصال والعلاقات العامة والإشهار التي تمارسها المؤسسات الاقتصادية والأحزاب السياسية والمنظمات الحكومية، لتلعب دورا كبيرا في الترويج لأفكارها بشكل إلكتروني، أما خامس المراحل فتمثلت في نموذج جديد في طور التشكيل تساهم في بنائه التكنولوجيا الحديثة للمعلومات والاتصال، لينصب الاتجاه الميديولوجي ويجعل من الجهاز التقني ”الإلكتروني” كسلطة حاسمة، حسب الأستاذ طارق الذي يعتبر أن هذه الفكرة أثيرت من عهد الباحث ماك لوهان إلى ريجيس دوبري، هذا الأخير الذي يرى أن الثقافة البصرية تتخلق بأخلاق الآلة التي تحملها وأن ذلك الجهاز الذي يتطلب السرعة والمباشرة والآنية والصور الجميلة والإثارة والألوان الحية، هو مكون أصلا للتسلية وهو متوافق تماما مع غايته، وهو يدخل الانسجام في الأمور المتنوعة، يحول الواقع إلى خرافة، إنه آلة لنزع الإيمان كما يقول والابتعاد عن الواقع، وظيفته الخاصة الإعجاب وليس التثقيف، فهو لا يعمل على تعاقب الأفكار والإشارات إنما هو سيل من الصور دون تركيب وتجميع وتمييز.ويختم حديثه بأن التحول من حامل كتاب ورقي إلى حامل كتاب إلكتروني يغيِّر نظرتنا ونمط حياتنا فقد كان التعامل مع الورق سابقا والآن أصبح بالرقمية، فلكل عصر رسالته وليس شرط أن يبقى مع صورة طبق الأصل للعصر الذي سبقه أو الذي يليه.الإلكتروني رقم صعب في معادلة الأستاذ الجامعيذهب الأساتذة الجامعيون إلى الإقرار بسطوة الكتاب الإلكتروني بشكل تام، في ظل ما يصطلح عليه المجتمع التكنولوجي الذي يرتكز على مثل هذه الأنواع، حيث أكد الأستاذ رفيق بوبشيش من جامعة عنابة أن الكتاب الإلكتروني أصبح مهما أكثر من الكتاب الورقي، إذ يتميز بخصائص مفضلة أهمها مجانيته حينا وبيعه بأثمان رمزية أحيانا أخرى مقارنة بسعر العناوين ذاتها في صيغتها الورقية. كما روى سهولة الحصول عليه مقارنة بالكتاب الورقي إذ يتجاوز الكتاب الإلكتروني الحدود الجغرافية، كما أشار إلى اعتماده في أطروحة الدكتوراه على كتب أغلبها إلكترونية نتيجة النشر الواسع في الشبكة العنكبوتية بجميع اللغات العالمية.يعتقد يوسف بن يزة من جامعة باتنة أنه في زمن التخزين السحابي للوثائق أصبح الكتاب الورقي مهددا بفقدان مكانته لدى هواة المطالعة، رغم أنه يملك من الجاذبية والسحر ما يجعله يقاوم الإغراءات التكنولوجية بصعوبة، الأمر ينسحب على الصحافة الورقية التي ضمنت جمهورها، وسط منافسة شرسة من طرف الصحافة الإلكترونية، غير أنه يقول بحدوث تحول عجيب في السلوك القرائي في عصر الأنترنت، ويتعلق الأمر بإقبال هواة المطالعة على تحميل الكتب الإلكترونية وتخزينها بدل قراءتها، فالغزارة والوفرة والتنوع وسرعة التحميل جعلت هواة المطالعة يقضون أوقاتا طويلة في تحميل الكتب وتخزينها دون قراءة ولو بعضها، بما في ذلك الكتب الحديثة جدا، والتي يتم تصويرها بعد صدورها مباشرة، وإطلاقها على الشبكة مجانا في صيغة ”بي دي أف” أو صيغ أخرى توفر خاصية البحث والتلخيص وغيرها، وهنا يتم اكتشاف أن الجانب الاقتصادي يلعب دورا حاسما في الترويج للكتاب الإلكتروني لأنه قليل التكلفة، بينما تستعصي أسعار الكتب الورقية على فئات كثيرة لاسيما الطلبة، كما ساهمت تقنية التخزين السحابي ”كلاود ستوراج” غير المحدودة التي توفرها خوادم مجانية عبر القارات الخمس في جعل الكتاب الإلكتروني متاحا في كل وقت، حيث تُمكّْن القراء من تبني مكتبة افتراضية عملاقة على الشبكة تُتيح الحصول على الكتاب المطلوب في أي مكان وفي أي لحظة دون أي عناء. وتطرق المتحدث في الأخير إلى الجوانب الصحية المؤثرة على وظائف بعض الحواس، فمعاقرة الكتاب الورقي تسبب بعض الأمراض كالحساسية الأنفية وتراجع حدة البصر، في حين تسبب وسائل القراءة الإلكترونية المتعددة أعراضا أخرى كالصداع النصفي، ليعبّر عن حالة الكتاب الورقي في قالب هزلي بقوله: ”يمكن القول بأن الكتاب الورقي أصبح مع مرور الوقت يكتسب وظيفة جديدة وهي تزيين رفوف المكاتب والمكتبات لاسيما الأحجام الكبيرة كالمجلدات”، إذ صادف في معرض الكتاب الدولي هذه السنة أشخاصا يبحثون عن الكتب من أجل تزيين مكاتبهم بها لا أكثر ولا أقل، كما يقول.مديرو النشر بين مغرد للورقي وعازف للإلكترونيوإذا كان الأساتذة والكتاب والطلبة قد أجمعوا بشكل شبه كلي على سطوة الإلكتروني، إلا أن مديري ومسيري دور النشر كانت لهم نظرة متباينة تباين دور النشر التي يشرفون عليها، حيث أكد لنا في هذا الصدد محبوبي فيصل، مسيّر دار المغرب العربي للنشر والتوزيع بولاية باتنة، وجود الكثير من الأشخاص الذين يملكون ذوقا في المطالعة الورقية ثم توجهوا إلى الإلكتروني، إلا أنهم سرعان ما عادوا إلى الورقي من جديد، وتطرق إلى نقطة اعتبرها مهمة، وهي اضطرار بعض القراء إلى شراء نسخ ورقية لنفس العناوين الإلكترونية التي يحوزون عليها، وهذا راجع، حسبه، إلى خصوصية وميزة الورقي، لا يستطيع الإلكتروني تعويضها، مستدلا بتزايد أعداد دور النشر في كل مرة كإشارة منه لاستمرارية الورقي. ورغم تطرقه على صعيد آخر لفكرة بداية إيجاد الإلكتروني مكانا لنفسه في السوق، إلا أنه ذكر بعض النقائص التي تعترضه والمتمثلة أساسا في قضية التحكم في التكنولوجيا، وعدم استيعاب الجمهور لطريقة عمل بعض البرامج الملحقة والضرورية من أجل تشغيل وقراءة الكتب إلكترونيا، من خلال معايشته للكثير من قصص الأطفال والأولياء الذين يشتكون دائما من هذه الأزمة، منبها إلى إمكانية ظهور جيل إلكتروني خلال قادم السنوات في حال تعوّد القارئ على هذا النمط من الكتب منذ الصغر.أما صاحب دار الأقصى للنشر الورقي والإلكتروني، عباس موسى ياسين، فيعتبر من العازفين للكتاب الإلكتروني، لاحتوائه على خاصية الصوت والصورة المتحركة، فضلا عن خاصية التصميم الغرافيكي والألوان الملفتة للانتباه، حيث تجعل كل هذه الخصائص القارئ مخيرا بين الاستماع لما يريده، ومختلف الوضعيات أو القراءة بشكل مباشر، ما يجعله مدلل، خصوصا مع انشغاله الشديد في وقتنا الحالي، وهي الخصائص التي لا يمكن أن يقدمها الورقي، ما جعل واقع المطالعة يشهد طغيانا واضحا للإلكتروني على الورقي.صعوبات كبيرة يواجهها مسيرو معارض الكتابتوجهت ”الخبر” لتقصي حقيقة تنظيم المعارض الخاصة بالكتاب سواء الورقية منها أو الإلكترونية، لتقف على الصعوبات الكبيرة من أجل تنظيم مثل هذه المعارض وهي ذاتها الحقيقة التي أقر بها عبد الحق شنيخر، مسيّر معرض ”شنيخر إيكسبو” للكتاب، معتبرا المرسوم التنفيذي رقم 07/217 المؤرخ في 10 جويلية 2007 المحدد لشروط وكيفيات تنظيم التظاهرات التجارية الدورية وسيرها بمثابة المرسوم العام الذي يحتاج إلى تفصيل قانوني أكثر لضبط سيرورة تنظيم المعارض بشكل أمثل، كونه لا يتطرق بالتفصيل إلى آلية محددة لتنظيم معارض الكتاب، إذ يسري عليها المرسوم التنفيذي السابق مثلما يسري على التظاهرات التجارية، فضلا عن المعاناة الكبيرة التي لقيها قبل تنظيمه لأحد معارض الكتاب وهذا بسبب إلزامية حصوله على الرخصة من طرف عدة إدارات التي وجد كل التسهيلات من بعضها والكثير من الصعوبات في إدارات أخرى.الرهان على المقروئيةيتسم كل نوع من أنواع الكتب التي تم ذكرها لشق من الإيجابيات وشق آخر من النقائص. وبعيدا عن الحديث بين الإيجابي أو السلبي، لا شك أن الرهان الآخر الذي يتطلب على الجميع تكثيف الجهود للفوز به بعيدا عن مد الورقي وجزر الإلكتروني هو النسب الضئيلة وشبه المنعدمة للمقروئية والمطالعة في الجزائر والتي تصل ما نسبته 6%  حسب بعض المصادر المختصة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات