اسلاميات

من عمل لغزّة مثقال ذرّة يره

 إننا نحتاج حقا لتغيير كبير وجذري ذهنياتنا، ولن يتغير حالنا بهذا التغيير المنتظر، فقد غلبت علينا نفسيات وذهنيات وأنماط تفكير وأنماط سلوك، يمكننا.

  • 29038
  • 3:28 دقيقة
من عمل لغزّة مثقال ذرّة يره
من عمل لغزّة مثقال ذرّة يره

 إننا نحتاج حقا لتغيير كبير وجذري في ذهنياتنا، ولن يتغير حالنا إلا بهذا التغيير المنتظر، فقد غلبت علينا نفسيات وذهنيات وأنماط تفكير وأنماط سلوك، لا يمكننا إلا أن نصنفها في خانة مظاهر التخلف أو أمراض التخلف، ولا ريب أن هنالك استثناءاتٍ دائما، ممن برأهم الله من هذه الأمراض والانحرافات، فلا أظلم من التعميم، وقد قلت (غلبت علينا) فهي حالة غالبة وليست عامة، ولكنها ضاغطة وخطيرة، ويكفي للتمثيل لهذه المظاهر أن نذكر حالنا مع الجهاد المبارك وما يقابله من إبادة لئيمة في غزّة الشهيدة أرضِ الرباط والفداء، إذ يعلم الجميع أنه منذ انطلق الطوفان المبارك ونحن نعيش حالة عجز قاهر عن نصرة إخواننا، ومع ذلك نعيش حالة ناشط مبهر في الجدالات والنقاشات... إلخ، دع عنك أولئك الشواذ من المخذّلين والمعوّقين والمدخليين ومشتقاتهم ممن يدعمون الصهاينة ومن والاهم، ويطعنون في المجاهدين وأهاليهم ومن والاهم، فهؤلاء أنشط وأنشط، وإنها لإحدى الكبر!.

إن هوان الأمة وعجزها وتقصيرها في نصرة إخواننا بالأرض المباركة دولا وشعوبا ومنظمات وأفرادا ظاهر للعيان، وكان على العقلاء أن يوجّهوا جهدهم كله لعلاج هذا الوضع، ورفع مستوى الدعم والإسناد في شتى الميادين وبكل ما هو ممكن وغير ممكن، فهذا واجب الوقت وأولى الأولويات، وأن لا ينشغلوا بمعارك جانبية ولا شبهات الشواذ، فهؤلاء جند إبليس وجيش احتياط للصهاينة، ولكن غرقنا في الهوامش.

إننا قد وصلنا إلى حال من قدّم فيها مثقال ذرّة من دعم ومساندة لغزة ومجاهديها وأهلها، نكون له من المقدّرين الشاكرين، ولن يضيع أجره عند الله تعالى، كيف وهو القائل سبحانه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تَكُ حسنة يُضاعفها ويُؤت من لدُنه أجرا عظيما}، وأجر العاملين يعظم عند التخاذل والتهاون وعند الظروف الخاصة والأوضاع الاستثنائية؛ لما في العمل آنذاك من مغالبة المثبطات والمعوّقات، وهذا ما يقرره حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. إن من ورائكم أيام الصبرِ، الصبر فيهن مثل القبضِ على الجمرِ، للعاملِ فيهن مثل أجرِ خمسين رجلا يعملون مثل عمله». قيل: يا رسول الله! أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: «بل ‌أجر ‌خمسين ‌منكم» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وجاء تعليل ذلك في زيادة على هذا الحديث، ولكنها لا تصح: «لا بل منكم؛ لأنكم تجدون ‌على ‌الخير ‌أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا».

وإن من مظاهر التخلف التي عاينها وعايشنها ذلكم الجدال الفارغ والنقد الحاد حول ما تقوم به بعض الجهات نصرة للقضية، من نشاطات يشوبها نقص، وقلة فعالية ربما. ونعلم جميعا أنه لا يخلو عمل البشر من نقص وقصور، بيد أنه بالنظر لوضع الأمة ودرجة التخاذل الذي وصلت إليه، حتى الإبادة الجماعية البشعة المنقولة على المباشر لم تحركها، فإن الحكمة تقتضي أن نغض الطرف، ونكف اللسان عن أي جهد يقدم دعما لغزة، حتى لو كانت لنا عليه ملاحظات، ونعرف عنه حقائق وأسرار، وحتى إن كانت للقائمين عليه والقائمين به غايات وأغراض، استغلالا أو توظيفا، فالله حسيبنا وحسيبهم، غير أن الواجب الآن الكف عن النقد وإبداء الملاحظات حتى لا نفتّ في عضد العاملين على ضآلة ما يقدمون بالنظر لهول الإبادة، ولا بأس أن نسجل ما نراه من ملاحظات وما نلمسه من قصور لعلاجه والتنبيه عليه، بل لا بأس أن يكون النقد وإبداء الملاحظات في مجالس ضيقة مع المعنيين مباشرة؛ لأن النقد واجب وهو عامل حضاري وحيوي للتطوير، مع مراعاة أن لكل مقام مقالا، وليس كل ما يعرف يقال في أي مكان ومع أي جمهور، فالنقد العلني وإبداء الملاحظات على شبكات التواصل حول النشاطات المناصرة لغزة العزة يفتح أبوابا من الجدل العقيم، ويشغل عن الواجبات اليومية للنصرة والمساندة، وقد تكون له آثار تثبيطية، كما أنه يحرك مياه مستنقعات الشواذ من المخذّلين، هو للعاملين بالمرصاد.

والواجب الحتم أن نرجع للأصول: وهو أن الله أعلم بما في قلوب العباد، وهو الذي يجازيهم ويحاسبهم على أعمالهم، ونحسن الظن بإخواننا جميعا، فمن تحرك وبادر وقدم عملا بحسب ما يراه وما يقدر عليه، مهما كان حجم هذا العمل ونوعه، نرجو له القبول والتوفيق من الله ونطلب منه المزيد مهما كانت ملاحظاتنا وتنقيداتنا، والله لا يضيع عنده أجر من أحسن عملا مهما قلّ وصغر حتى لو كان مثقال ذرة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}، وهذه بشرى للمحسنين. وأيضا أولئك الشواذ من المطبعين والمتصهينين والمخذّلين والخائنين والخانعين والمدخليين ومشتقاتهم ينتظرهم حساب عند ربهم تعالى ولو كان تخذيلهم مثقال ذرة: {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}، ولا يخزهم وينصرنا عليهم ويشف صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا من قماءاتهم إلا العمل نصرة للمجاهدين مهما صغر حتى مثقال الذرة تكون غصة في حلوقهم وقذاة في أعينهم.

* إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer