رياضة

"بلاطوهات" الحصص الرياضية.. حضور "الانفعال الشعبوي" وغياب الموضوعية

يستغل بعض المحللين أو الضيوف، من لاعبين ومدربين ومسيرين سابقين، هذه الحصص لإصدار أحكام قاسية وغير مبررة في حق أشخاص أو حكام ولاعبين وحتى أنصار فرق.

  • 1238
  • 4:50 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

وجهت أصابع الاتهام، بعد الأحداث الأخيرة المؤلمة التي أعقبت لقاء مولودية الجزائر واتحاد بسكرة، إلى بلاطوهات الحصص الرياضية، فحمّلها البعض مسؤولية تأجيج عواطف الأنصار، وسارعت السلطات إلى مباشرة اتخاذ إجراءات عبر تسليط عقوبات وتوجيه إنذارات لبعض البرامج.

 وباتت بعض البلاطوهات التلفزيونية تشكل فضاء مفتوحا أمام بعض من تتم دعوتهم على أنهم محللون رياضيون أو ضيوف من لاعبين ومدربين ومسيرين سابقين، حتى يدلوا بدلوهم في قضايا تخص كرة القدم الجزائرية، لإصدار أحكام قاسية وغير مبررة في حق أشخاص أو حكام ولاعبين وحتى أنصار فرق، وغيرها من الأطراف التي لها صلة بكرة القدم.

 ويستغل الكثير ممن يصنفون أنفسهم كمحللين من "الدرجة الأولى"، عجز مقدمي تلك الحصص السيطرة عليهم، لتحويل تلك البرامج إلى منصات ينفثون من خلالها سمومهم ويوجهون "قنابل موقوتة" صوب "أهداف محددة"، غير آبهين بما يمكن أن ينجر من وراء كل تلك التصاريح التأليبية من مخاطر بين أفراد المجتمع الواحد، كما يعرف عن هؤلاء عدم ترددهم في "خطف الكلمة" من أي ضيف كلما اقتضت الضرورة ذلك، مع الحديث بانفعال كبير وتشديد اللهجة عند كل تدخل دون إغفال ذكر الجهة المستهدفة بالاسم، بحكم أن ما يهم هؤلاء هو الظهور في صورة "البطل القومي" في الوسط الجماهيري الخاص بالفريق الذي ينتمي إليه عندما يتعلق الأمر بالتطرق إلى القضايا التي لها صلة بـ"فريق القلب"، دون أن يأبه لحقيقة تجرده التام من الحيادية، وحتى الموضوعية المطلوبة، أكثر من غيرها في تقديم طرح متزن أمام المشاهد الكريم.

 ألفاظ وعبارات يجب أن تختفي من "البلاطوهات"

 يحوز سجل الألفاظ المتداولة وسط محللي كرة القدم بداخل "بلاطوهات" القنوات التلفزية على جملة من العبارات التي أضحى من الضروري جدا أن تختفي، قياسا بما لها من تأثير سلبي جدا على فئة من الجماهير، مع إمكانية أن تولد لديهم نوايا في "الثأر" أو القيام بأفعال على شاكلة ردود فعل نابعة عن الإحساس بـ"الحڤرة ". ويمكن لعبارة "هناك مؤامرة ضد هذا الفريق" أن تفرز تصرفات "عدوانية" في أوساط أنصار الفريق المعني، خاصة وأن الشائع في أوساط هؤلاء يبقى صدور "الحكم" عن وسيلة إعلامية مرئية تتابعها جماهير عريضة، كما يمكن أيضا لعبارة.. "هزيمة الفريق اليوم كان مخططا لها" أن تتسبب في فتنة كبيرة، رغم أن قائلها لا يحوز على ذرة إشارة على وجود أمر من هذا القبيل، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هوية من يقدمون أحكاما مسبقة من هذا القبيل.

وكثيرا ما يزج "المحلل" بأطراف بعينها حتى يحمّلها ما لحق بفريقه المفضل من أضرار، كأن يقول "حرام أن يتعرض فريق جزائري إلى هذا الظلم في البطولة المحلية"، مع أن هذا الكلام خطير وقادر على إثارة نعرات التفرقة بين شبان البلد الواحد، عند إبداء المناصرين الشباب تحديدا تضامنا مع فريقهم دون إغفال عامل تسلل الشكوك إلى نفسية هؤلاء من الذين يصنفون من محدودي المستويات التعليمية.

 وكثيرا ما يتسبب الحكام في قرارات كارثية ومصيرية، إلا أن المسؤولية الملقاة على عاتق المحللين تبقى كبيرة وكبيرة جدا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإدلاء بتصاريح "على المباشر" أو "على الساخن".

 ويبقى من الضروري في مثل هذه الحالات العمل على ضبط النفس أو تفادي التصريح من أساسه إلى غاية أن تهدأ الأمور، كما وجب أيضا تفادي القول إن "الحكم تسبب في مجزرة لفريقي اليوم" حتى لا نزيد الطين بلة، مع ترك الأحكام للجهات المختصة في التحكيم التي تبقى الجهة المخولة للحسم في مثل هذه الأمور وللنظر في حالات التسلل التي باتت تصدر بشأنها أحكام من وسط البلاطوهات وفي غياب "الفار" عن تلك المباريات.

 ويذهب الكثير من المحللين إلى محاولة إبداء الميول والتعاطف مع الجماهير، وهم الذين يتساءل البعض منهم: "لماذا غيّب المسؤولون "الفار" عن مباراة اليوم، رغم أن الملعب مؤهل لذلك؟".. وكأنه أتي به من شمال أوروبا لتحليل مباراة في البطولة الوطنية، مع أخطر ما ظهر مؤخرا في أحد "البلاطوهات" دعوة السلطات حتى تضع الحكام المخطئين في السجن". وهي سابقة لم نعهدها قط، دون غض النظر عن محاولة التأثير على "الفاف" حتى تقصي حكما دوليا من إدارة المنافسات الدولية بعد أخطائه المرتكبة في لقاء في البطولة.

 قنوات تفضل "اللعب على وتر الشعبوية"

 وباتت الكثير من القنوات الفضائية في الجزائر تفضل التعاقد مع "محللين كرويين" من الذين يمتازون عن غيرهم بمواصفات معينة، كأن يكون المعني يحظى بشعبية في الأوساط الجماهيرية و"صريح جدا ولا يخاف لومة لائم"، كما بات معيار "اللعب على وتر الشعبوية" مطلوبا ومحببا أيضا، بحكم أن بعض المواقف كثيرا ما تتطلب محللا مجردا من كل شيء حتى يساهم في إعادة فئة من الرأي العام إلى الإطار المحدد لهم.

 وفي مقابل ذلك، يحوز الحقل الإعلامي الرياضي في البلد على الكثير من المؤهلات البشرية التي يمكن الاستثمار فيها لصناعة مشهد قادر على الرسو بسفينة الأجيال القادمة في مرفأ آمن ومحصن، إلا أن هذا النوع من المحللين يبدو وكأنهم غير مطلوبين بالقدر الكافي، مع أن مؤهلاتهم العلمية وكفاءاتهم الميدانية تفوق بكثير تلك التي يتوفر عليها من يطلقون العنان لحناجرهم حتى يصدروا السوء لأجل إلحاق الأضرار بالغير.

 وتلعب وسائط التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تفضيل "محلل" و"الرفع من مكانته" على حساب آخر، كما أن الكثير من مسؤولي القنوات يتابعون باهتمام بالغ مدى تفاعل رواد تلك المواقع مع تدخلات وخرجات المحللين، ما يدفع بهم في الكثير من الأحيان إلى انتهاج خيارات "شعبوية" نظير إقصائهم لأصحاب "الطرح الموضوعي" للقضايا والملفات.

 من يعيد "المؤثرين الكرويين" إلى جادة الصواب؟

وعادة ما يتم، خلال تلك الحصص، استعمال ألفاظ وعبارات مسيئة وحتى تحريضية حتى يظهر ذلك "الضيف" أو "المحلل" على أنه "الرجل المحبوب" لدى جماهير فريقه والقادر على الدفاع عن حقوقه في وسائل الإعلام، مستغلا ربما وجود صداقات له في تلك القناة أو "الاسم" الذي صنعته له كرة القدم سابقا، سواء في عالم التسيير أو كلاعب قديم.

 وقد تمادى الكثير من فئة من أضحوا يصنفون كمؤثرين كرويين في ضرب "معالم" و"أطر" وجب التحكم فيها بالطريقة المثلى من قبل القائمين على تسيير البرامج والحصص التلفزيونية، خاصة تلك التي تحظى بالبث المباشر، بحكم أن ما وجب تصنيفه في خانة "المحظور" هو تأليب "رأي عام" وجماهير ناد أو أندية ضد لاعب أو حكم يكون قد ارتكب ربما خطأ دون قصد، أو حتى إشعال فتيل الفتن بين أنصار فرق مختلفة من أبناء البلد الواحد.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer