مجتمع

أولياء يستعينون بالطب النفسي لنجدة أبنائهم

تمثل هذه الموجة الجديدة من الاهتمام تحولا إيجابيا في طريقة تعامل المجتمع مع فترة الامتحانات.

  • 277
  • 4:23 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

يجد تلاميذ المراحل الدراسية المختلفة أنفسهم تحت وطأة ضغط نفسي وجسدي متزايد، خاصة في خضم الاستعدادات المكثفة للامتحانات الانتقالية المصيرية، ما دفع بالكثير من الأولياء إلى تبني مقاربة جديدة في التعامل مع أبنائهم خلال هذه الفترة الحرجة، حيث لم يعد الاهتمام مقتصرا على المراجعة وتوفير الكتب، بل امتد للبحث عن سبل لتخفيف عبء المذاكرة، من خلال التدليك والاسترخاء.

تبرز في هذا السياق موجة لافتة تتمثل في اصطحاب الأولياء لأبنائهم إلى الأطباء النفسيين وحتى إلى المختصين في التدليك الاسترخائي. فبعد أشهر طويلة من الدراسة المكثفة وحشو المعلومات، يصبح التلاميذ عرضة للإرهاق الجسدي والنفسي، ويتملكهم خوف شديد من شبح الإخفاق، وهنا يظهر التدليك الاسترخائي كأداة واعدة تسعى إلى تهدئة هذه العواصف الداخلية واستعادة التوازن المفقود.

الأولياء في خط الدفاع الأول

إن لجوء الأولياء إلى هذه الممارسات يعكس وعيا متزايدا بأهمية الصحة النفسية والجسدية لأبنائهم، خاصة في المراحل التعليمية الحاسمة، فهم يدركون أن التفوق الدراسي لا يتحقق فقط من خلال ساعات المراجعة الطويلة، بل يتطلب أيضا بيئة صحية ومريحة تساعد الأبناء على التعامل مع الضغوط بفعالية.

وتمثل هذه الموجة الجديدة من الاهتمام تحولا إيجابيا في طريقة تعامل المجتمع مع فترة الامتحانات، فبدلا من التركيز المطلق على الجانب الأكاديمي، بدأ الوعي يتزايد بأهمية دعم التلاميذ نفسيا وجسديا لتمكينهم من اجتياز هذه المرحلة بنجاح وبأقل قدر ممكن من الآثار السلبية على صحتهم.

وكشف الكثير من الأولياء عن إصابة أبنائهم بالذعر والخوف وحتى التشنجات العضلية قبل الامتحانات، حيث منهم من يستفرغ ومنهم من يحس بالألم في بعض المناطق من جسمه، بسبب الإجهاد النفسي والجسمي.

وقد أيقن الكثير من الأولياء ممن التقيناهم في مراكز التدليك والعلاجات التأهيلية، أن التدليك الاسترخائي ليس مجرد رفاهية، بل هو أداة قيمة يمكن أن تساهم بشكل فعال في تخفيف الضغط عن كاهل التلاميذ خلال فترة الامتحانات، وأن مبادرة الكثير منهم بالبحث عن هذه الحلول تؤكد على دورهم المحوري في توفير بيئة داعمة وصحية لأبنائهم، وهو استثمار حقيقي في مستقبلهم ورفاهيتهم.

التدليك الاسترخائي

وأكدت زينب بوذراع، مدربة في التدليك الطبي العلاجي والاسترخائي، أنه لا يقتصر دور التدليك الاسترخائي على مجرد توفير شعور بالراحة الجسدية المؤقتة، بل يتعدى ذلك ليلامس أعماق النفس ويساهم في تخفيف حدة التوتر والقلق المصاحبين لفترة الامتحانات، خاصة لدى المقبلين على امتحانات البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط.

وشرحت المتحدثة أنه من خلال تقنيات اللمس المدروسة، يعمل التدليك على تخفيف التوتر العضلي، إذ ينجم عن الضغط النفسي انقباضات عضلية تسبب آلاما في الرقبة والكتفين والظهر، ويساعد التدليك على إرخاء هذه العضلات وتخفيف الشعور بالانزعاج الجسدي.

وأضافت أن التدليك يعمل على تحفيز الجهاز العصبي "الباراسمبثاوي" المسؤول عن حالة الاسترخاء والهدوء، مما يقلل من إفراز هرمونات التوتر مثل "الكورتيزول" و"الأدرينالين".

ونوهت الآنسة بوذراع إلى أنه غالبا ما يعاني التلاميذ خلال فترة الامتحانات من اضطرابات في النوم، وبالتالي فالتدليك يساعد على تهدئة الجسم والعقل وتهيئة الظروف لنوم عميق ومريح، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز التركيز والذاكرة. كما يعمل التدليك على تحسين تدفق الدم إلى مختلف أنحاء الجسم، بما في ذلك الدماغ، مما يزيد من وصول الأكسجين والمغذيات ويساهم في تحسين وظائف الدماغ والقدرة على التركيز والاستيعاب.

وأكدت المتحدثة أن هذه العملية تحسن المزاج وتقلل القلق والتوتر والاكتئاب من خلال إطلاق الإندورفين، وهي هرمونات السعادة الطبيعية في الجسم.

تحذير من تفاقم الضغوط النفسية لدى التلاميذ 

أكدت الأستاذة فنيش حنان، المحاضرة بكلية علم النفس وعلوم التربية بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة 2، على تفشي الضغوط النفسية بين التلاميذ في المجتمع، مشيرة إلى أن قلق الامتحانات، وهو حالة انفعالية ناتجة عن الخوف من الفشل، الذي قد يتحول من دافع إيجابي إلى عائق حقيقي أمام التحصيل الدراسي إذا تجاوز حده الطبيعي.

وفي سياق حديثها، أوضحت الأستاذة فنيش أن أسباب هذه الضغوط تتعدد، بدءا من عدم الاستعداد المبكر للامتحانات، مرورا بانعدام الثقة بالنفس والتصورات السلبية الذاتية، والعادات الدراسية الخاطئة، وصولا إلى اكتساب الطفل للقلق من محيطه.

كما لفتت الانتباه إلى تأثير الرغبة المفرطة في التميز وتوقعات الأولياء العالية والمبالغ فيها، بالإضافة إلى الأجواء العائلية المتوترة والمقارنات المستمرة مع الآخرين.

وأضافت أن ظاهرة التباهي بنتائج الأبناء كثرت مؤخرا، وكأنهم أصبحوا سلعة للترويج والمباهاة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المناسبات، دون النظر إلى إمكانيات أبنائهم الحقيقة في التحصيل الدراسي أو ما يشعرون به حيال هذا الأمر القاتل بالنسبة لهم، وهذا ما يزيد من الضغط النفسي للطفل في حد ذاته وظهور بعض الأعراض المرضية عليه.

وعن أعراض هذه الضغوط النفسية، ذكرت الأستاذة فنيش أنها تتجلى في صعوبة النوم المتواصل، الخوف من الرسوب، التبول اللاإرادي لدى بعض الأطفال، فقدان الشهية، الغثيان، تسارع ضربات القلب، النسيان المؤقت، جفاف الحلق، آلام المعدة، القولون العصبي لدى تلاميذ الثانوي، تسلط الأفكار الوسواسية، كثرة التفكير في النتائج وعدم القدرة على التركيز.

وللحد من هذه الضغوط، قدمت الأستاذة فنيش جملة من الاستراتيجيات والإجراءات الهامة، في مقدمتها وضع برنامج دراسي يعتمد على المراجعة المبكرة واستراتيجيات إدارة الوقت لتجنب تراكم الدروس.

كما شددت على أهمية تعلم أساليب الاسترخاء مثل التنفس العميق وتمارين شد وإرخاء العضلات والتخيل الإيجابي للنتائج. بالإضافة إلى ذلك، نصحت بممارسة التمارين الرياضية وتقديم الدعم النفسي وتوفير بيئة إيجابية للأبناء، مع الحرص على حصولهم على قسط كاف من النوم وتجنب السهر.

ونوهت ذات المختصة بضرورة أن يكون العلاج النفسي والاستشارات تحت إشراف متخصصي علم النفس أو مستشاري التوجيه والإرشاد التابعين للمؤسسات التعليمية.

وعبرت المتحدثة عن تحفظها تجاه لجوء بعض الأولياء إلى العيادات الطبية، وحذرت من الإفراط في إعطاء الفيتامينات والمكملات الغذائية لزيادة التركيز وفتح الشهية، لما قد تسببه الجرعات الزائدة من مشاكل صحية.

وبصفتها أخصائية نفسية، أكدت الأستاذة فنيش على أهمية تمارين الاسترخاء والهدوء، والحصول على الراحة الكافية والنوم المنتظم، وممارسة الرياضة، وتناول وجبات صحية، وتخفيف توقعات الوالدين والامتناع عن المقارنات، مؤكدة أن الاستعداد الأمثل للامتحانات يظل أفضل وسيلة لشعور الطفل بالطمأنينة وتحقيق الأداء الجيد.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer