يشهد قطاع الحلاقة والتجميل في الجزائر تحولات متسارعة وفوضى عارمة، إذ اقتحمت المجال دخيلات حوّلن المهنة إلى تجارة مربحة على حساب صحة الزبونات، رغم أن أغلب الأنشطة الجديدة خارج موضوع السجل التجاري.
فبعد دورات تكوينية قصيرة لا تتجاوز الأسبوع، سواء داخل الوطن أو خارجه، يمارس هؤلاء النسوة تدخلات تجميلية غير مرخصة، مستغلات حملات ترويجية واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، أكد وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، الطيب زيتوني، الأسبوع الماضي، على ضرورة توسيع الرقابة لتشمل التحولات الطارئة في السوق، خاصة ما يتعلق بالنشاطات الطبية وشبه الطبية التي يمارسها غير المهنيين ومعاهد الحلاقة والتجميل والعناية الجسدية.
ودعا الوزير إلى إعادة تنظيم هذه الأنشطة بالتنسيق مع القطاعات المعنية، من خلال وضع أطر قانونية واضحة تضمن سلامة المستهلك وقدرته الشرائية.
إن الفوضى التي يشهدها قطاع التجميل في الجزائر تتطلب تحركا عاجلا من الجهات المعنية لوضع حد للممارسات غير القانونية التي تهدد صحة وسلامة المستهلكين. ويتطلب ذلك تشديد الرقابة على الصالونات وملاحقة المخالفين ومنظمي الدورات التكوينية الوهمية، بالإضافة إلى توعية الزبائن بمخاطر هذه الممارسات وضرورة التأكد من مؤهلات وخبرة الأشخاص الذين يقدمون لهم خدمات التجميل.
إن حماية الصحة العامة تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية لوضع حد لهذا التسيب وضمان تقديم خدمات تجميلية آمنة ووفقا للقانون.
"ماستر كلاس" وهمي وممارسات خطيرة
يصف المختصون في هذا المجال الدورات التكوينية التي تنظمها بعض صالونات الحلاقة تحت مسمى "الماستر كلاس" بـ"المهرجانات الترويجية لتكوينات غير قانونية". ويؤكدون أن غياب الاحترافية والضمير المهني وراء الانتشار العشوائي لهذه الصالونات التي تتجاوز خدماتها حدود الحلاقة التقليدية لتنخرط في ممارسات "طبية" دون أي تكوين أو خبرة في المجال.
حقن وبوتوكس وحجامة في محلات غير مؤهلة
أشارت الدكتورة أمينة قيسمون، وهي طبيبة عامة من ولاية سكيكدة، إلى وجود ممارسات شائعة في صالونات التجميل تحمل في طياتها مخاطر صحية حقيقية على الزبونات في حال استخدامها بشكل غير صحيح.
وقد أوضحت الدكتورة قيسمون أن عمليات حقن الفيلر والبوتوكس، التي تهدف إلى تحسين مظهر البشرة وملء التجاعيد، قد تشكل خطرا إذا لم يتم إجراؤها بواسطة متخصصين مؤهلين وباستخدام مواد معتمدة. قد يؤدي الحقن الخاطئ إلى مضاعفات مثل الالتهابات، التكتلات غير المرغوب فيها، أو حتى تلف الأعصاب والإعاقة.
ولفتت الطبيبة الانتباه إلى ممارسة الحجامة التجميلية التي تجرى في محلات تفتقر إلى التجهيزات اللازمة والخبرة الكافية. فالحجامة، وإن كانت تحمل فوائد علاجية في بعض الحالات، إلا أنها تتطلب شروطا صحية صارمة وأيدي خبيرة لتجنب العدوى أو حدوث أضرار جلدية.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، أكدت الدكتورة قيسمون على الارتفاع الملحوظ في إقبال النساء على هذه الخدمات التجميلية، ويعزى هذا الإقبال المتزايد إلى سعي المرأة الدائم نحو تحقيق الجمال الدائم والحفاظ على مظهر الشباب، مما يجعلهن في بعض الأحيان يتجاهلن المخاطر المحتملة أو يقللن من شأنها.
وقد شددت الدكتورة أمينة قيسمون على ضرورة توعية النساء بمخاطر هذه الممارسات التجميلية غير الآمنة. ودعت إلى ضرورة اختيار مراكز التجميل المرخصة التي يعمل بها متخصصون مؤهلون، وإلى عدم التردد في استشارة الأطباء المختصين قبل الخضوع لأي إجراء تجميلي لضمان سلامتهن وتجنب أي مضاعفات صحية محتملة.
تجاوز للقانون وقلق المختصين
وأصبح تجاوز صالونات التجميل لخدماتها التقليدية المشروعة قانونا يثير قلق خبراء الصحة، خاصة مع استخدام وسائل طبية تتطلب خبرة وترخيصا خاصا. وتؤكد السيدة نبيلة زبيري، المكلفة بإدارة مديرية التجارة لولاية قسنطينة، على ضرورة الالتزام بما ينص عليه السجل التجاري للصالون، وأن تقتصر الخدمات المقدمة على تلك السطحية، والتجميل الجاف بعيدا عن الحقن التجميلية والمواد الكيميائية الخاصة بالعناية بالبشرة.
وتعزو المتحدثة انتشار هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، أبرزها ضعف الوعي الصحي لدى الزبائن والركض وراء الجمال وتعديل آثار الزمن. كما تلعب سهولة الترويج لهذه الخدمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في استقطاب الزبونات وإغوائهن بتجربة هذه العمليات التجميلية الحساسة.
وأكدت المتحدثة لـ"الخبر" أن مصالحها قد أطلقت، بدءا من الخميس المنقضي، عمليات رقابة موسعة على مستوى محلات الحلاقة والتجميل والعناية الجسدية، تنفيذا لتعليمات وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، فقد تم، خلال الخرجات الميدانية لمصلحة الرقابة وقمع الغش، سحب منتجات غير مطابقة وتسجيل العديد من المخالفات المتعلقة بممارسة نشاط خارج موضوع السجل التجاري، والتي تصل عقوبتها إلى 30 يوما من الغلق الإداري، مؤكدة أن إضافة نشاط تجاري لا يتم إلا بالحصول على رمز لذلك من المركز الوطني للسجل التجاري، وفي هذا تشير إحصائيات ذات المديرية إلى أن عدد ممارسي مهنة الحلاقة من الرجال بلغ 256 حلاقا مسجلين في السجل التجاري، و82 حلاقا يملكون بطاقة حرفي، كما أن عدد الحلاقات المسجلات في السجل التجاري بلغ 534حلاقة وعدد الحلاقات اللواتي يملكن بطاقة حرفية قد بلغ211.
وتؤكد ذات الإحصائيات المستقاة من مصلحة الرقابة وقمع الغش، أن سنة 2024 قد شهدت 1617 تدخلا لمراقبة محلات الحلاقة عبر إقليم الولاية، فيما تم خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية إجراء، 473 تدخل.
وانجر عن هذه التدخلات تحرير 129 محضر متابعة قضائية للمخالفين من الحلاقين والحلاقات واقتراح غلق 22 صالون حلاقة. فيما شهد الثلاثي الأول من السنة الجارية تحرير 68 محضر متابعة قضائية واقتراح غلق 6 صالونات حلاقة.
وبالنسبة للمخالفات المسجلة فكانت أغلبها متعلقة بممارسة نشاط خارج موضوع السجل التجاري، مخالفة أمن منتوج والمتعلقة باستعمال مواد طبية أو صيدلانية داخل صالونات الحلاقة، وكذا مواد تجميل تحتوي على مواد مضرة بالصحة، على غرار مادة الكينول، التي توضع خداعا في مواد التجميل، لكن لها آثار جانبية. إلى جانب مخالفة 113 غياب الرقابة الذاتية، غياب النظافة، وخدمات غير مطابقة، الغش، واستعمال منتوج غير صالح.
وحفاظا على صحة المستهلك والقضاء على الظواهر السلبية، نفذ أعوان قمع الغش بمديرية التجارة لولاية قسنطينة عملية رقابة وتفتيش واسعة على مستوى بلدية قسنطينة، والتي أسفرت عن سحب عديد المنتجات غير المطابقة من حيث الوسم وكذا منتهية الصلاحية، كما تم تسجيل مخالفات تتعلق بعدم احترام إلزامية النظافة والنظافة الصحية وممارسة نشاط تجاري دون القيد في السجل التجاري، وأخرى تخص ممارسة نشاطات خارج موضوع السجل كالحجامة، إزالة الوشم، التدخلات التجميلية شبه الجراحية وغيرها. وقد تم تحرير محاضر قضائية ضد المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية المعمول بها.
دعوة لردع "التكوينات السريعة" والاحتيال
ويشدد العديد من الفاعلين في المجتمع المدني، وكذا المختصين في المجال، على ضرورة ردع منظمي "التكوينات السريعة" التي تقدمها أطراف مشبوهة في المجال، والتي لا تعدو كونها عمليات احتيال تستهدف تحقيق الربح السريع على حساب سلامة "أشباه الحلاقين" والزبونات على حد سواء. ويشيرون إلى أن بعض هذه الدورات التكوينية المكلفة لا يشرف عليها أطباء أو خبراء حقيقيون في مجال الطب التجميلي.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال