اسلاميات

الصوم.. حصن المؤمن

 لا خلاف بين المسلمين الصيام أركان الإسلام الخمسة، ولا يماري أحد فرضيته ووجوبه، تعليل الأحكام الشرعية يعين المكلف امتثال الواجب.ومعلوم الحكمة الصيام الوصول.

  • 37783
  • 2:35 دقيقة
الصوم.. حصن المؤمن
الصوم.. حصن المؤمن

 لا خلاف بين المسلمين أن الصيام من أركان الإسلام الخمسة، ولا يماري أحد في فرضيته ووجوبه، غير أن تعليل الأحكام الشرعية مما يعين المكلف على امتثال الواجب.

ومعلوم أن الحكمة من الصيام هي الوصول إلى مرتبة التقوى كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، ومعنى التقوى أن يجعل الإنسان بينه وبين المخالفات الشرعية حدودا، ومما يعضد هذا المقصد أحاديث نبوية توضح أن الصيام لا يتوقف على مجرد حرمان النفس من الأكل والشرب والجماع فحسب بل يتعدى ذلك إلى تحصين النفس وتطهيرها وتهذيبها وترويضها، منها ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، وقوله عليه الصلاة والسلام: “الصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفس محمد بيده لخَلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”، وقوله عليه السلام: “للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه”، وفي رواية: “يترك طعامه وشرابه من أجلي”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “الصيام لي وأنا أجزي به”، وقوله عليه الصلاة والسلام: “والحسنة بعشر أمثالها”.

من هذه الشواهد يمكن أن نجسد الصورة الحقيقية والنموذج المثالي للصائم المحصن الذي أراده الشارع من تحقيق، والذي يحرص فيه صاحبه على ثلاث صفات:
-توجيه إخلاص النية فيه لله تعالى، وطالما أحسن الصائم أنه في معية الله طيلة شهر رمضان، أعانه ذلك على احتساب الدقائق كلها لله واغتنام الزمن الموافق لنزول الرحمات فإنها لا تعوّض، ولذلك فإن الصوم يعزز فيه صاحبه لذة العبادة وحضور القلب، فلا تضره نعمة إن فاتت عليه ولا تطغيه منزلة في الدنيا، فيرتفع عنده مقام المراقبة.

تزكية النفس بكبح جماحها ومقاومة طلباتها، وهذا معروف عند الناس، إذ النفس تتحرك حينما يطلق العنان بكثرة الأكل والنفس والشهوة، فمقتضى العبودية هنا أن يقلل الإنسان من طلبات النفس في التوسع من الملذات، والقصد من هذا الوصول بهاته النفس إلى المرتبة الملائكية، ويستشهد لها بحديث: “من لم يدع طعامه وشرابه” أخرجه البخاري، وبحديث: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش” أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

-الوصول إلى مرتبة الرضا واللذة في العبادة، وذلك بمعرفة أن الصيام لن يدرك حقيقته أحد إلا إذا ذاق سره ونوره وبركته وأثره على السلوك وعلى مقاماته الصوم عما سوى الله فيحفظ أحدهم الرأس وما حوى والبطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الحياة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه صاموا عن الشهوة في الدنيا وأفطروا على لقاء ربهم في الآخرة، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا.

إذا نزلنا بهذه المعاني إلى أرض الصائمين نجدها مفقودة إلا من رحم الله، والسبب عدم فهم حقيقة الصيام، فاعتبروا صيامهم بالنهار سجنا طويلا فإنه إذا أذن المغرب هرعوا للتوسع في الأكل والشرب والسهر وظنوا أن حرمة رمضان في النهار فقط، وثقلت عليهم العبادة واستكثروا صلاة التراويح.

فلا شيء لتطويع هاته النفس التي تأمرنا بالسوء إلا تقييد حريتها بالصوم والحرمان لترضخ لأحكام الشريعة وترتقي بنا إلى مصاف الأبرار، وحاشا لله أن يكلفنا بما لا يطاق ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

* إمام خطيب أول مسجد عبد الله بن عباس – أدرار

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer