العالم

محاكمة مفكر فرنسي تفضح حقيقة حرية التعبير في فرنسا

اعتبرها الباحث من المحاكمات ذات الخلفية السياسية، التي داست على مبادئ حرية التعبير منذ حرب استقلال الجزائر

  • 3601
  • 2:41 دقيقة
المفكر فرانسوا بورغا، الصورة: ح.م
المفكر فرانسوا بورغا، الصورة: ح.م

يَمثُل المفكر والباحث الفرنسي البارز، فرانسوا بورغا، غدا الخميس، أمام محكمة "إيكس أون بروفانس"، جنوبي فرنسا، مواجها تهمة "الإشادة بالإرهاب"، في واحدة من "أغرب المحاكمات ذات الخلفية السياسية، التي داست على مبادئ حرية التعبير وحقوق الإنسان في هذا البلد الأوروبي، منذ حرب استقلال الجزائر"، بتعبير الإكاديمي الشهير.

هذه التهمة جاءت بناء على عدة مواقف وكتابات أكاديمية، عرّضت المفكر والباحث تلقائيا للمتابعة القضائية، في بلد يقدس حرية التعبير، لدرجة يُطالب دولا أخرى بالإفراج عن كاتب متابع من قبل قضاء بلاده.

ويُعد بورغا من أبرز المتخصصين في شؤون العالم العربي، وله مؤلفات مرجعية تناولت الإسلام السياسي وسياقات الصراع في المنطقة، وكان باحثا رئيسيا في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومؤسسات بحثية أخرى.

وقال بورغا، في حوار لموقع "العربي الجديد"، اليوم، إن المتابعة تحركت عندما "قمت بإعادة نشر بيان النفي الصادر عن حركة حماس بشأن الاتهامات التي وُجهت لها بارتكاب أعمال عنف جنسي بعد السابع من أكتوبر 2023"، مضيفا أن هذه "الادعاءات، التي روّجت لها وسائل إعلام كصحيفة نيويورك تايمز، أُثبت لاحقا، حتى من مصادر إسرائيلية، أنها لا تستند إلى أدلة موثوقة".

ومن ضمن الخلفيات التي تقف وراء التهمة أيضا، أفاد المفكر لقد "رددت على إحدى المعلقات بعبارة قلت فيها: "أود أن أعلمكم أن لدي احتراما كبيرا، بل احترام لا يُقارن، لقادة حركة حماس أكثر بكثير مما أكنّه لقادة دولة إسرائيل".

أما الجريمة الثانية، فقد جاءت، يتابع الباحث "حين نشرت مقتطفا من الفصل السادس من كتابي المعنون "فهم الإسلام السياسي"، الصادر باللغة العربية في العام 2016". في هذا الفصل، "أوضحت كيف أن حركة "حماس"، بعد التزامها بقواعد الشرعية الدولية وخوضها انتخابات تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، قوبلت، فور فوزها، بخيانة من الأوروبيين والإسرائيليين، وحتى من السلطة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن "اللافت اليوم أنني أُتهم على خلفية نص أكاديمي، عمره أكثر من تسع سنوات، متاح بأربع لغات، وهو ما يشكل سابقة خطيرة، إذ تُوجَّه للمرة الأولى تُهمة من هذا النوع لباحث بسبب ما كتبه في إطار بحث علمي".

وواصل المفكر، معددا الجرائم المنسوبة إليه من القضاء الفرنسي، "أما الجريمة الثالثة التي وُجهت إليّ، والتي أُضيفت أيضاً إلى أسباب احتجازي في جويلية الماضي، فهي موقفي الذي اتخذته لانتقاد الحكم الصادر بحق (الداعية الإسلامي) عبد الحكيم صفريوي في ما يُعرف بـ"قضية صامويل باتي" (المدرس الذي قتل ذبحاً في 2020)". وباختصار، قلتُ: "إذا كان من لم تكن له أي علاقة بالجريمة يُعتبر مجرماً فقط لأنه انتقد الضحية، فإننا جميعاً إرهابيون".

ويرى بورغا أن موقفه الذي كان يهدف إلى تسليط الضوء على الخطورة في معاقبة الأشخاص بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو انتقاداتهم، "جرى استغلاله من قِبل النيابة العامة، واعتُبر تمجيداً للإرهاب، وهو ما استُند إليه في احتجازي"، يضيف المتحدث.

وفي رده على سؤال حول تقييمه لحرية التعبير في فرنسا، قال إنه لا يطالب السلطات بأن تتفق مع ما أطرحه من آراء، وإنما "كل ما أطالب به هو أن يُتاح للمراقبين والمحللين والباحثين أن يواصلوا التعبير عن وجهات نظرهم بحرية، حتى وإن كانت متعارضة مع الرواية الرسمية للسلطات".

ولأول مرة تقريبا، في نظر الباحث، باستثناء بعض اللحظات خلال حرب استقلال الجزائر، "تتجاوز فرنسا خطا أحمر خطيرا، إذ بات من الممكن تجريم نشر كتاب أكاديمي، كما حدث في حالتي، وهو أمر غير مسبوق وينذر بتدهور خطير في مناخ الحريات".

أما التهديدات التي تطال حرية التعبير، فهي، يتابع الكاتب، في غاية الخطورة، لأنها "تتسع بشكل متسارع تحت تأثير الترويج المنهجي والمستمر للرواية الإسرائيلية، وهي الرواية الوحيدة التي تحظى بالبث المتكرر في أوقات الذروة على كبرى وسائل الإعلام السمعية والبصرية".

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer