يصادق، اليوم، أعضاء غرفتي البرلمان بقصر الأمم، بالضاحية الغربية للعاصمة، على مشروع تعديل الدستور، في غياب قوى المعارضة البرلمانية التي تشعر بخيبة أمل لعدم قبول السلطة اقتراحاتها، وعدم إشراكها في صياغة “الإصلاح الدستوري”.وفيما تقول السلطات إن هذا المشروع “عقد اجتماعي وطني” و”تأسيس للجمهورية الثانية والدولة المدنية”، تشكك المعارضة في نوايا أصحاب المشروع، من منطق أنه “لا يمكن تعليم قرد عجوز حيلا جديدة”، وبسبب عدم الثقة في نظام حكم تعود “الدوس على الدساتير والقوانين” التي وضعها، وأن تعديل الدستور الثالث في عهد الرئيس بوتفليقة “مناورة من النظام لحل أزماته الداخلية، ولتمديد عمره في مواجهة ضغوط التغيير”.وقررت قوى المعارضة البرلمانية الرئيسية الاحتجاب عن “عرس السلطة”، للطعن في شرعية النص الجديد، ولأنها حسب آراء زعمائها “لا تجد نفسها في القانون الأساسي الجديد للدولة، ناهيك عن كون هذه التعديلات بالنسبة إليها “مكيجة لإخفاء عيوب جراحات التجميل” التي تمت على النصوص السابقة، وليس لغرض بناء دولة مؤسسات وديمقراطية حقيقية. وتستدل في ذلك أساسا بقرار فتح العهدة الرئاسية في 2008، ثم إغلاقها في التعديل الجديد.وترى أن هذه التحسينات التي أدخلت على الدستور الحالي لا تستجيب لتحديات المرحلة ولا تحقق الحد الأدنى من مطالبها، ومنها ما تعلق بإنشاء لجنة مستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات، ناهيك عن تضمنه مواد في الدستور فجرت أزمة ثقة مع جزائريي الخارج، في إشارة إلى المادة 51 من المشروع التي تقصي الجزائريين من ذوي الجنسية المزدوجة من تولي مناصب سيادية في الدولة.ويحتج تيار من قوى المعارضة على عدم تمرير التعديل بواسطة الاستفتاء الشعبي، غير أن السلطة رأت أنه لا ضرورة لذلك، رغم حاجة الرئيس بوتفليقة لشرعية جديدة كما فعل في الاستفتاء على قانون الوئام المدني في 1999 وميثاق المصالحة الوطنية في 2005. وحسب مبررات السلطة لعدم إنزال مشروع “الجمهورية الثانية”، هو الخوف من رفض محتمل له لتضمنه ترسيم الأمازيغية، في ظل عدم فهم كثير من الجزائريين الحاجة لاتخاذ مثل هذه الخطوة الضرورية والطبيعية في إطار مصالحة الجزائريين مع تاريخهم.ولم تغر “التنازلات” المقدمة من قبل السلطة في مجال تمكين المعارضة النيابية من حق إخطار المجلس الدستوري وتعزيز استقلالية القضاء لتحقيق إجماع أو توافق على نص الدستور.وفجر التعديل خلافات شديدة بين قوى الموالاة نفسها، خصوصا بين الحزبين الرئيسيين، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، بسبب رغبة كل منهما قيادة القاطرة في الترويج لتعديل الدستور.ورغم غياب قطاع هام من نواب المعارضة المنتمين إلى أحزاب تكتل الجزائر الخضراء، الأفافاس وجبهة العدالة والتنمية، لا تبدو السلطة منزعجة من هذا الغياب. وتذكر مصادر حكومية أن عضوا في الحكومة الحالية عبر، بمناسبة اختتام الدورة البرلمانية في 2 فيفري الجاري، عن ارتياحه لقرار الأفافاس الذي اتخذ قبل يوم من ذلك. وبقدر ما كانت السلطة ترغب في حضور المعارضة، فإن غياب المعارضة يضعها في راحة أكبر خشية قيام نواب المعارضة بالتشويش على الجلسة وتكرار مشهد 29 نوفمبر الماضي، حينما اتحدت قوى المعارضة الرئيسية في المجلس الشعبي الوطني لإسقاط قانون المالية. وفي غياب المعارضة، تحتفل الموالاة بـ”مولودها الجديد”، فقررت منح الكلمة لكتل الموالاة، إضافة إلى حزب العمال الذي اقتيد على ما يبدو عنوة إلى نادي الصنوبر، خشية سحب الاعتماد من قيادته الحالية، بعدما نجحت السلطة في إحياء الخلايا النائمة للتصحيحيات في الحزب، اعتمادا على قيادات نقابية،ويضم جدول الأعمال المؤقت منح الكلمة لرؤساء المجموعات البرلمانية في الغرفتين، وهي “الأحرار”، “العمال”، “الثلث الرئاسي” والأرندي والأفالان، الذين يحوزون على مجموعتين برلمانيتين. وتتم المصادقة على الدستور كتلة واحدة وليس مادة مادة كما تقرر في النظام الداخلي للجلسة. وتتبع المصادقة بقراءة رسالة شكر من الرئيس بوتفليقة للنواب على مصادقتهم على تعديل الدستور.ولا يشكل التعديل نهاية مسار، بل بداية مرحلة جديدة، تضم إطلاق اصطلاحات جديدة تأخذ بروح الدستور الجديد، ينتظر أن تستهل بمراجعة قوانين الانتخابات والأحزاب السياسية والإعلام، وهي قوانين تم تعديلها بين 2011 و2013، وغالبيتها لم تصدر جميع نصوصها التنظيمية، إلى جانب إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات المفترض أن تسارع السلطة إلى تنصيبها لمباشرة الاستعدادات للانتخابات التشريعية المقررة بعد حوالي عام، والتي ستكون أول اختبار سياسي بعد تعديل الدستور.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات