+ -

تمنّيت أن الحقائق التي يكشفها جنرالات الأمس عن بعضهم بعضا بخصوص تسيير المرحلة السابقة أو المراحل السابقة.. تمنيت لو أن جنرالات اليوم يتحدّثون أيضا عن الواقع اليوم.. وكيف يسيّر هؤلاء العلاقة بين العسكري والمدني وبين الأمني والسياسي.ما يكشفه جنرالات الأمس من حقائق شيء مهم، لكنه يبقى مجرد حديث عن وقائع أصبحت في نظرهم تاريخا.. والحديث عن هذه الحقائق لا يمكن أن يأخذ طريقه إلى العدالة مادام قانون المصالحة الوطنية يمنع ذلك!الرئيس بوتفليقة عندما جاء إلى الحكم سنة 1999 طمأن الجنرالات قائلا: “إن من يريد الوصول إلى الجنرالات بالمحكمة الدولية.. يمر على جثتي”! وقد وفّى الرئيس بوعده.. فقد اعتبر ما حدث في الجزائر في التسعينيات مجرد “هوشة” بين الإرهاب والدولة.. فانتصرت فيها الدولة الجزائرية وفق ظاهرة استسلام وتسليم الطرف الآخر لسلاحه دون قيد أو شرط.لكن بعض هؤلاء (المهزومين) نظريا عادت إليهم الحياة من خلال إقدام بعض جماعة الرئيس على إقناع الرئيس بسجن بعض الجنرالات الذين تحدّثوا عن العشرية السوداء أو الذين قادوا جانبا من عمليات هذه العشرية.الآن فتحت شهية المطالبين بمحاسبة جنرالات العشرية السوداء.. فقالوا: الرئيس رفض محاكمة هؤلاء في الخارج.. لكن لم يعط الأمن والأمان لهؤلاء إزاء العدالة في الداخل.. وحتى المادة التي جاءت في قانون المصالحة التي تمنع متابعة أي واحد على عمل قام به في إطار مهامه في الدولة، هذه المادة لا تشمل الذين يعترفون بعظمة لسانهم بارتكاب أخطاء يعاقب عليها القانون!لهذا فإن “هوشة” الجنرالات فيما بينهم قد تؤدي إلى فتح ثغرة في القانون الخاص بالمصالحة الوطنية.. خاصة حين يجرجر جنرال زميله إلى أروقة المحاكم بأشياء لا علاقة لها بما حرّمه قانون المصالحة الوطنية.في كل الحالات، فإن ما يحدث اليوم بين الجنرالات من تراشق بالتهم يعزز إلى حد كبير موقف الرئيس في حكاية ما يسميه بإنهاء حالة تدخل الجيش في السياسة، وقد يبني الرئيس مجد من سيخلفه على رأس البلاد على أشلاء هؤلاء الذين يتصارعون في حلبة تشبه مصارعة الثيران الاسبان تحت تصفيقات الشعب المتفرج!حتى ولو كانت العملية تتم باتفاق بين الرئيس وأجنحة في الجيش لترتيب مرحلة ما بعد بوتفليقة، فإن دخول المال الفاسد على الخط سيلحق أضرارا فادحة بسمعة الدولة وهي تحضّر بديلا اجتماعيا أسوأ من حالة الراحل في غمرة التحوّل.جنرالات المال الفاسد من المدنيين الذين يسيطرون على المؤسسات الآن، سيكون حالهم أشد سوءا من الجنرالات الذين يكشفون أوراقهم للرأي العام هذه الأيام.. لا يمكن أن يطمئن المواطن للمستقبل وهو يرى البلاد تسلّم لعصابة أسوأ من العصابة الراحلة؟!

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات