من المفارقات العجيبة أن الرئيس لا يرتاح لنواب الأفالان ونواب الأرندي في تمرير مشروع الدستور كما يأمل، لأنه يعرف أن النواب الذين تولوا النيابة بـ “الشكارة” أو الجهوية أو التزوير أو الانتهازية والزبائنية، يمكن أن يخونوا صاحب نعمتهم لو أوحي إليهم بالاتجاه نحو منحى آخر غير الذي يريده الرئيس إذا أحسوا بأن الرياح تهب باتجاه غير اتجاه الرئيس. لهذا ركز الرئيس كثيرا على الجهوية الفاضحة في تعيين الثلث الرئاسي في مجلس الأمة.. لأن الموالاة والزبائنية وحدها أصبحت لا تكفي لضمان تنفيذ ما يريده الرئيس من التصويت في البرلمان.المشكلة في الجزائر الآن بالنسبة لموضوع الدستور ليست في محتوى الدستور؛ بل المشكلة أساسا في الكيفية التي يمرر بها هذا الدستور.. فكل الناس تعرف أن البرلمان يعاني أزمة شرعية حادة.. وأويحيى نفسه ذكر مؤخرا أن الأفالان استلم نوابها النيابة في مجلس الأمة بـ “الشكارة”! وهذا في حد ذاته طعن في شرعية هؤلاء النواب يعاقب عليها القانون قبل أن يطعن في شرعيتهم في تعديل الدستور! إذ كيف يعاقب القانون الذين يغسلون الأموال في البنوك.. ولا يعاقب هؤلاء الذين يلطخون النيابة بالمال الفاسد؟!الآن ستصبح الجزائر بلدا غير قابل لإجراء انتخابات بأي شكل من الأشكال، حتى التزوير المعلمن الذي كانت تتمتع به البلاد أصبح في مهب الريح.. والصعوبات الحقيقية في إدارة البلاد ستبدأ بعد تعديل الدستور بطريقة غير شرعية بمؤسسات مطعون في شرعيتها، وبالتالي ستتم عملية تغيير الحكومة الحالية بحكومة أخرى، بالتأكيد ستكون أسوأ مما هو قائم الآن.. وستتفجر الصراعات داخل الزمر السياسية الدائرة حول الرئيس وتتصارع بالرئيس فيما بينها.. وستطفو المصاعب بسبب اهتزاز الوضع السياسي في شبه الأحزاب السياسية وفي شبه المؤسسات الدستورية، ويصبح الكل لا يتحكم في الكل.. وستزداد المصاعب في إدارة البلاد بسبب إضعاف تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، وبسبب شح الموارد المالية وبسبب الجفاف الطبيعي والسياسي الذي ضرب البلاد.لا يمكن الآن أن نتحدث عن استقرار في السلطة وفي الشارع بالاعتماد على فكرة التخويف من انزلاقات الربيع العربي!والسؤال الحائر الذي سيطرح بعد تعديل الدستور هو: ماذا سيقدم الرئيس للشعب بعد ذلك؟! هل سيكون تغيير الحكومة عملا سياسيا.. أم سيكون صاعقا سياسيا يفجر الأوضاع في دواليب الزمر المتصارعة في السلطة وبالسلطة حول السلطة، تمتد شظاياه إلى الشارع.. كل الاحتمالات واردة إلا احتمال الهدوء والاستقرار[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات