+ -

 قالوا إن عدم لجوء الرئيس للاستفتاء على الدستور سببه الأزمة الاقتصادية.. فالرئيس لا يريد صرف أموال إضافية على عملية استفتاء شعبي نتائجها محسومة مسبقا.. وبالتالي فمن الحكمة الاقتصادية تمرير هذا الدستور عبر برلمان نواب الشكارة والحفافات والسبيطارات! لكن الحقيقة قد تكون خلاف ذلك..1 – الرئيس لم يمرر الدستور على الاستفتاء الشعبي لأنه أصبح لا يتحكم كما يجب في دواليب الجهاز الوطني للتزوير الانتخابي، وأن حل هذا الجهاز معناه تعطيل آلة التزوير للانتخابات إلى حين إعادة بناء جهاز آخر يمكنه أن يتحكم في مجريات عملية التزوير. ولهذا فالرئيس لم يغامر بطرح المسألة في الشارع، لأنه أصبح على يقين أن نتائجها ستكون كارثية، وخاصة في غياب جهاز التزوير الذي يتقن هذه المهمة.2 - الرئيس عمد أيضا إلى تمرير تعديل الدستور على البرلمان غير الشرعي ليقول للشعب الجزائري صراحة: يا شعب أنت لم تعد مصدر السلطة التأسيسية، فأنا هو مصدر السلطة التأسيسية.. وبهذا فإن الرئيس يعاقب الشعب الجزائري بنزع منه وظيفة السلطة التأسيسية، لأن الشعب مارس العزوف الانتخابي بصورة واضحة وفاضحة في الرئاسيات الأخيرة، وفي الانتخابات البرلمانية التي سبقتها... ولولا وجود الجهاز الوطني للتزوير الذي أنقذ الموقف باستعمال فنيات التزوير المعلمن لكانت الكارثة! وخاصة فنيات استعمال الأسلاك النظامية للدولة في عمليات التزوير المعلمن والمقنن.3 - واضح أن الرئيس لم يعد يؤمن بحكاية الشعب مصدر السلطة التأسيسية، ولهذا لم يعد للشعب في المرات الثلاث التي عُدّل فيها الدستور.. وهي مرات حاسمة ومهمة... عدّد فيها الرئيس دستوريا اللغة الوطنية لتصبح لغات... وسحب فيها صلاحيات من رئيس الحكومة وحوّله إلى وزير أول... وترشح خارج الدستور للرئاسة مرتين: الأولى حين عدّل المادة 74، التي أسسها الشعب، بنواب فقط، والثانية حين ترشح للعهدة الرابعة خارج القانون الذي يفرض على المترشح أن يتمتع بالسلامة البدنية والعقلية.4 - الرئيس الذي بقي 15 سنة في الحكم ولم يحترم الدستور ولا مرة، لم يجد من يقول له: “إن ما تقوم به غير دستوري.. لهذا أحس بأنه بإمكانه أيضا أن يلغي المبدأ الدستوري القائل بأن الشعب هو مصدر السلطة التأسيسية، وينوب عنه هو، ويصبح هو السلطة التأسيسية دون أن يأخذ من الشعب التفويض بذلك.5 - الطريقة التي أعد بها هذا الدستور، والطريقة التي تتم بها عملية التمرير، تدل على أن الرئيس رجع بالبلاد إلى ما قبل فكرة نشوء الدولة.. فالانسياق الآلي لشبه المؤسسات الدستورية لإرادة الرئيس بهذه الطريقة البهلوانية في تعدل الدستور، يدل فعلا على أن الرئيس لم يعد يقيم وزنا للمؤسسات ولا حتى للشعب في ممارسة سلطاته اللامحدودة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات