+ -

إن ممارسة كرة القدم ومشاهدتها ومتابعة أحداثها من الترويح واللهو مباح شرعا، لكن يكتنف هذه اللعبة الرياضية الشهيرة بعض المسائل والقضايا التي تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، لأن الجهل بهذه الأحكام قد يوقع صاحبها في المحظور شرعًا، وقد تترتب عليها متابعات قانونية ومسؤوليات جنائية. إن الملاعب الرياضية على اختلافها هي مواقع للترويح عن النفس وتخفيف ضغوط العمل وضغوط الحياة اليومية، وهو ما يدفع الجماهير إلى ارتيادها ودفع الأموال من أجل حضور منافساتها. ففي أوروبا نشاهد العوائل بأكملها تحضر المباريات في عطلة نهاية الأسبوع للعيش في أجواء أشبه بالمهرجان الرياضي الذي يحضره الصغير والكبير، المرأة والرجل، ومن مختلف الطبقات والفئات.لكن مما يلفت الانتباه في الآونة الأخيرة في بلادنا والبلاد المجاورة كثرة السباب والشتم بين الجماهير، وفي معظم الأحيان يكون الحكم هو صاحب نصيب الأسد من السب واللعن.. فبعض الجماهير الرياضية لا تحضر إلى الملاعب من أجل الاستمتاع وإنما من أجل السب والشتم، إذ مع أي صفارة للحكم أو أي لعبة غير موفقة من لاعب فإن هناك من يلعنه ويسبه من على المدرجات ومن دون خجل أو تردد وبصوت مرتفع، وأحيانًا يسب الدين أو الرب أو العائلة أو الأم أو الأخت بألفاظ مشينة.وإن مثل هذه التصرفات لا يمكن تبريرها بحال، لأنها خروج عن فطرة الإنسان قبل أن تكون خروجًا على الدين أو العادات والتقاليد.فالحكم والمدرب واللاعب والإداري جميعهم بشر ومعرضون للخطأ باستمرار، والجمهور الواعي يدرك هذا الأمر، في حين أن التعصب يقود في بعض الأحيان لتصرفات غريبة، ولكن السب والشتم ليس عائدًا بالأساس إلى التعصب وإنما عائد لشخصية الفرد ومدى تقبله للقيام بمثل هذه التصرفات والتلفظ بمثل هذه الألفاظ.وإن الظلم والتعدي على الآخرين بالسب والشتم واللعن من أخطر الأمور، يكفي أن ذلك مُذهِبٌ لحسنات العبد. قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون مَن المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم معه ولا دينار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”المفلس مَن يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا فنيت سيئاته أخذ من سيئاتهم فألقيت عليه فألقي في النار”، فانتبه لا تفني حسناتك وتتحمل سيئات عباد الله بهذا السب والشتم.واعلم أن الله يكره الفاحش البذيء، وإن من أعظم العبادات وأشرفها حُسْن الخُلُق والكلام الطيب، وإن لم يستطع الإنسان ذلك فلا أقل من أن يكف شره عن الناس، فاتق الله تعالى وأمسك لسانك عن عباد الله فسيشهد عليك يوم القيامة بما قلت وما تلفظت وراقب الله تعالى، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم موصيًا أحد الصحابة: اتق الله! ثم قال له: وإن امرؤٌ شتمك وعيرك بأمرٍ ليس هو فيك، فلا تعيره بأمرٍ هو فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبّن أحدًا.وإن الواجب الشرعي والديني والخُلُقي يفرض علينا أن نحارب هذه الآفة ونعالجها، وعلى المؤمن أن ﹸيعوّد لسانه على الكلام الطيب والقول الحسن، ويترفع عن السباب والتفوه بالألفاظ البذيئة، ويتحلى بالحلم والصبر، ولا يجعل هذه الآفة سببًا في أكل حسناته.إن مواجهة هذه الظاهرة تكون بالتوعية والتوجيه والخوف من الله، وتحمل مسؤولية إدارات النوادي عواقب تصرفات مشجعيهم، والقيام بدورات ومحاضرات دينية تثقيفية تحذر هؤلاء الشباب من عواقب تصرفاتهم المشينة والمضرة بهم وبأنديتهم التي يشجعونها بزعمهم.ويواجَه شغب الملاعب، حسب الدراسات العلمية، من خلال تنمية الوعي الرياضي لدى المشجع في المراكز والأندية الرياضية، وأن تعي الأجهزة الإعلامية دورها جيدًا لتأدية رسالتها التربوية وتركيز الإعلام على السلوكيات الرياضية الإيجابية للجماهير والإعلاميين والإداريين، وحث أولياء الأمور على تربية الأبناء على السلوك الرياضي الإيجابي ومتابعتهم، والاهتمام بتأهيل الإعلامي الرياضي تأهيلاً إعلاميًا سليمًا، وتركيز الإعلام على الأحداث الرياضية الإيجابية ونبذ العنف.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات